ما يحتاجه العرب من أجل الثقة بإيران أن تبادر إلى حماية نفسها من خلال إعلان وقف تدخلها في شؤونهم الداخلية، وهو ما يتطلب منها أن تكون صادقة مع نفسها ومع العرب.
 

هل تعادي إيران العرب أم هي تعادي إسرائيل وأميركا؟

لقد سبق لإيران وأن رفعت شعار “الموت لإسرائيل” و”الموت لأميركا” غير أنها لم ترفع يوما شعارا يقول “الموت للسعودية” أو “الموت للإمارات” أو “الموت للبحرين”.

لكن كل شيء سيء فعلته إيران عبر الأربعين سنة الماضية كان موجها ضد العرب من أجل الإساءة إليهم والإضرار بمصالحهم والانتقاص من سيادتهم الوطنية، ولم تُصب إسرائيل بقشة من الأذى الإيراني. أما أميركا فإنها كانت دائما مجرد “شيطان أكبر” سكن الخيال الشعبي الإيراني ولم يغادره.

في مواجهة ذلك لم يُظهر العرب أي رغبة في التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، ولم يكونوا معنيين بالكيفية التي يدير بها النظام الإيراني شؤون مواطني الدولة التي يحكمها ولم يتبنوا المعارضة الإيرانية أو يقوموا بتمويلها. لم يتحدثوا عن حقوق الإنسان المنتهكة في إيران ولم يسخروا من المرويّات البكائية التي تقام هناك. كانت إيران بالنسبة لهم جارة هي حرة في كل ما تفعله داخل أراضيها.

لم يبادل العرب إيران عداء بعداء.

إلى أن أحرق الغوغاء في إيران مبنى السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد بمباركة حكومية لافتة، كانت المملكة العربية السعودية حريصة على أن تعامل إيران بلغة دبلوماسية راقية ورفيعة المستوى. في المقابل كانت إيران ترى في مواسم الحج التي ترعاها المملكة العربية السعودية، بكل كرم، مناسبة للإعلان عن سياساتها القائمة على نهج طائفي متخلف.

وكما اتضح من خلال التجربة العملية فإن الإيرانيين لم يكونوا على استعداد للخروج من عقدهم التاريخية التي جعلتهم يناصبون العرب العداء ليتعرفوا على عرب الحاضر دولا وشعوبا ومؤسسات. فهم ما زالوا يقيمون بين صفحات الـ”شاهنامة” التي اخترعها لهم الفردوسي ليتفاخروا من خلالها بتاريخهم في مواجهة ما اعتبروه غزوا عربيا في ظل راية الدين الإسلامي الذي آمنوا به.

وإذا ما كان العرب قد رفضوا أن يُزجَّ بهم في صراع طائفي مع إيران، لأنهم ببساطة لا يؤمنون بقيمة ما صار يشكل هوسا إيرانيا، فإن إيران من جهتها وضعت ثرواتها وجندت نفسها في سبيل نشر النزعة الطائفية بكل ما تنطوي عليه من أمراض التخلف والجهل والتعصب والعنصرية.

كانت إيران، ولا تزال، تنطلق في علاقتها مع العرب من جهة العداء، لذلك فإنها لا تصدق أن من تعتبره عدوا لها ينطلق في التعامل معها من جهة النوايا الحسنة، وقد لا أبالغ إذا ما قلت إن ذلك الخلل في المعادلة كان دائما مصدر إزعاج للإيرانيين.

لقد جُبلوا على العنجهية والغرور وهو ما شكل حاجزا بينهم وبين الاعتراف بأن حقائق الحياة والعصر قد سبقتهم إلى مناطق، صار من الصعب عليهم أن يصلوا إليها ليستوعبوا أن العالم قد تغير بما لا يسمح لأفكارهم بأن تكون مقنعة لأحد.

ولأن إيران بلد مقفل على فكرته عن الآخر العدو، فإنها صارت تطرح اليوم بخبث على العرب مسألة توقيع اتفاقية عدم الاعتداء، كما أنها تريد أن توهم العالم بأن العرب يبادلونها العداء وهم على استعداد للعدوان عليها في الوقت الذي يرونه مناسبا لهم.

إيران تلعب بورقة مكشوفة.

فالعرب لا يحتاجون إلى توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع إيران بعد أن هيمنت على أجزاء عزيزة من بلادهم وصارت تشن عليهم حربا بالوكالة من خلال أذرعها في اليمن ولبنان، ناهيك عن ميليشياتها التي اقتطعت العراق من محيطه العربي، وصارت تلوح بأن يكون العراق ساحة الحرب المقبلة مع الولايات المتحدة.

ما يحتاجه العرب من أجل الثقة بإيران أن تبادر إلى حماية نفسها من خلال إعلان وقف تدخلها في شؤونهم الداخلية، وهو ما يتطلب منها أن تكون صادقة مع نفسها ومع العرب.