إدارة أوباما بتوقيعها الاتفاق النووي ساهمت في حل الأزمة بالتأجيل والترحيل، أما إدارة دونالد ترامب فقد استثمرت بمحتويات الصندوق الأسود للاتفاق النووي لمعرفتها بآثار تلك المحتويات في انتشار إرهاب نظام الملالي.
 

المفاوضات بين النظام الإيراني والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً ألمانيا، التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي سنة 2015 يمكن قراءة مضمونها الآن، وكذلك أسباب الفرح الذي من الواضح أنه في بعض أجزائه كان يبدو مبالغاً فيه وبالذات من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي وصف تاريخ التوقيع على الاتفاق باليوم التاريخي لإدارته ولمنطقة الشرق الأوسط وللإنسانية.

ذلك ما أكده أيضاً حضور وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، رغم أنه كان مصاباً في ساقيه إثر حادث عرضي ويتوكأ على عكازين، الاحتفال الرسمي لوزراء خارجية الدول الموقعة إضافة إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وكذلك مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني التي مازالت متمسكة بالاتفاق وبأسارير وجهها في ذلك اليوم.

المرشد علي خامنئي أعاد فتح الصندوق الأسود للاتفاق النووي بمحتوياته التي كانت دافعاً لتضارب الآراء والمواقف من متاهة وغموض وتعقيدات الإرهاب وتداعياته في الشرق الأوسط، وما طرأ عليه بعد الاتفاق من تمدد وتشابك في خيوطه ومفاصله مع ما صاحبه من نأي إدارة أوباما ودول الاتحاد الأوروبي عن مسؤولياتهما في الحد من كارثة انهيار منظومة القيم المشتركة للمجتمع الدولي التي سمحت بتفشي انتهاكات الميليشيات الإيرانية وانفلات مهماتها باجتياز الحدود وامتلاكها لمقومات القوات النظامية من إدارة وأسلحة وتخصيصات مالية، واستحواذها على بعض مصادر القرار السياسي في أكثر من دولة.

الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات الاقتصادية بتصفير صادرات النفط الإيرانية وقرار وضع الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، حفزت كافة الأطراف في إيران على ممارسة لعبة التقاذف بالتهم لإبراء ذمتهم من الأزمة واحتمال تصاعد الانتفاضة أو توقع الحرب.

المرشد علي خامنئي قرأ انتفاضة ديسمبر 2017 واستمرارها على ضوء الوقائع الراهنة وما تصل إلى مسامعه من أصوات لم تعد مترددة تطرح فكرة تحديد المدة الزمنية لولاية الفقيه، لارتكابها أخطاء استراتيجية لا تغتفر، والتعامل معها كولاية سياسية.

قبل أيام أشار المرشد إلى تقصير الرئيس روحاني والوزير ظريف لعدم استجابتهما للشروط التي أملاها عليهما والمتعلقة بالاتفاق النووي، حيث كان يجب أن توافق عليها الدول الست قبل أن توقع إيران على الاتفاق. روحاني في خطابه الأخير رد على المرشد بضرورة اللجوء إلى الدستور ومراجعة فقرة تعطي الحق للحكومة بالدعوة إلى استفتاء شعبي يمنحها الصلاحيات لرفع سقف تخصيب اليورانيوم فوق النسب المقررة في بنود الاتفاق.

النظام الإيراني تتحكم به مزاجات التنصل مما دار في مفاوضات الاتفاق النووي رغم أن الجميع حينها بارك التوقيع على نتائجها وهو ما فعله المرشد عندما وصف المفاوضين بالمؤمنين، إلا أنه الآن يذهب إلى التحريض ضدهم لعجزهم وتقصيرهم. وهذا يبرر صياغة الأسئلة مجدداً بشأن البرنامج النووي الإيراني والفترة التي سبقت نهاية المفاوضات ونوعية الاستجابة الإيرانية للضغوط الأميركية في عهد إدارة أوباما التي كانت مبرراً للوساطات السرية مع الولايات المتحدة وبموجبها تقرر البدء بالمفاوضات.

تلك التهديدات تعيدنا إلى ضبط ساعة إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي وباقي الأعضاء في مجلس الأمن بما فيهم روسيا على توقيت قرب إنتاج إيران للسلاح النووي والذي يقدره أصحاب الاختصاص، حتى في حاضر الأزمة بعد إعلان إيران في 8 مايو الجاري عن إمكانية تحررها من بعض الالتزامات في الاتفاق وتهديدها باستئناف تخصيب اليورانيوم وتحديث مفاعل آراك، بمدة لا تتجاوز السنة رغم أن إيران تفتقد لبعض العناصر المتوفرة خارجها وهو ما يفتح المزيد من المقاربات عن بدائل الموردين والوسطاء، وما يمكن أن يتسرب منها إلى النظام أو تغفل عنها آليات الرقابة الدولية المكلفة بتنفيذ الحظر على مبيعات تدخل في التصنيع النووي.

الاتفاق أصلاً ينم عن مدى التحوط أو الحذر من إنتاج السلاح النووي، وما وصفه أوباما بالإنجاز التاريخي دلالة على أن إيران كانت على حافة امتلاكها للقنبلة النووية، مهما كانت قوتها التدميرية محدودة. ذلك ما تفكر به أوروبا اليوم وتسعى إلى لملمة آثار الانسحاب الأميركي من الاتفاق للإبقاء عليه كضمانة للإشراف على المفاعلات الإيرانية وباقي بنود الاتفاق.

إدارة أوباما بتوقيعها الاتفاق ساهمت في حل الأزمة بالتأجيل والترحيل، أما إدارة دونالد ترامب فقد استثمرت بمحتويات الصندوق الأسود للاتفاق لمعرفتها بآثار تلك المحتويات في انتشار إرهاب نظام الملالي على امتداد العالم والشرق الأوسط تحديداً.

بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق وتنفيذ حزمة العقوبات تراجع المرشد الإيراني علي خامنئي، حيث لم يعد يرى في الاتفاق سوى مصيدة وقعت فيها ولاية الفقيه وبها فقدت إيران قدرتها على المناورة والضغط والتهديد بالتلويح ببرامجها السرية النووية.

مازال النظام الإيراني يراهن على الأسلحة “السرية” في تصريحاته، كما استنجد بها مستشار القيادة العسكرية الإيرانية مرتضى قرباني لإغراق السفن الأميركية من قبل قواته، لكن فكرة إنتاج القنبلة الذرية في البرنامج النووي الإيراني والتي قال عنها المرشد علي خامنئي سنة 2013 بأنها تتعارض مع قواعد الإسلام، ما عادت تتعارض مع قواعد إرهاب تنظيم الدولة الإيرانية.