القى عضو مجلس حكماء المسلمين العلامة السيد علي الأمين، كلمة في المؤتمر العالمي الذي تقيمه رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة تحت عنوان قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة واللقاء التاريخي لاعلان وثيقة مكة المكرمة جاء فيها:
 

"الإسلام هو الرسالة السماوية التي أوحى الله تعالى بها الى نبيه محمد بن عبدالله خاتم الرسل والانبياء، وهي تتكامل مع الرسالات السماوية التي سبقتها، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وقوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).

اضاف: "ورسالة الإسلام تلتقي مع ما سبقها من رسالات الله في الأهداف والوسائل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور والحكم بينهم بالحق ، كما يشير إليه قول الله تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وقوله (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور) (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه). ويجد الناظر في الكتاب والسنة الكثير من الآيات والأحاديث التي تكشف عن قيم الوسطية والإعتدال في الإسلام ولزوم اعتمادها منهجا في تطبيقه وفي الدعوة إليه، كما جاء في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) وهي تركز على لزوم تحلي الإنسان بالفضائل وتمسكه بمكارم الأخلاق كما جاء في الحديث النبوي المشهور: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)".

وتابع: "ورسالة الإسلام تتضمن الدعوة إلى الإيمان والإعتقاد، وهما لا يحصلان بالإكراه، ولذا منعت من الإكراه عليهما، كما جاء في قول الله تعالى في عدة آيات، منها (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ومنها(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ومنها(فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ) ومنها(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ومنها(ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)".

واردف: "ويشهد لهذه الحرية الدينية أيضا ما جاء في سورة (الكافرون) من تعاليم أعطاها الله لنبيه ليقولها في الحوار الذي دار بينه وبين المشركين في أوائل الدعوة: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين). وقد دعا الإسلام إلى السلم كما جاء في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) ودعا إلى العيش بتسامح وسلام وعدل مع الآخرين الذين لم يعلنوا الحرب عليه كما جاء في قوله تعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم علكم تذكرون) واعتبر الإسلام أن الاعتداء على حياة الفرد اعتداء على الإنسانية جمعاء كما جاء في قوله تعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)".

وقال: "ينظر الإسلام إلى الناس نظرة تساوي بينهم في حقوقهم وأقدارهم، فلا فرق عنده بين الأعراق والألوان والأجناس فهم قد خلقهم الله من نفس واحدة ومع هذه الوحدة تزول كل الفوارق ولا يبقى منهم ميزان للتفاضل سوى في العمل الصالح الذي يعود بالخير على الناس أفرادا وجماعات ومجتمعات ويشير إلى المعاني التي ذكرناها قوله تعالى(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) وقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقوله تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم .) وفي أحاديث السنة النبوية وآثارها:(الناس سواسية كأسنان المشط) (والخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) و(لا فضل لأحمر على أصفر ولا لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وقد جاء في عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر عندما ولاه على مصر وكان فيها المسلمون وغيرهم (وأشعر قلبك الرحمة للرعية واللطف بهم والرأفة عليهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وغيرها من النصوص والآثار التي تؤكد على قاعدة المساواة بين البشر، وهذا فيه تأسيس لعلاقات إنسانية بين البشر تقوم على عدم التمييز العنصري وغيره من أسباب التمييز التي تنشب بسببها النزاعات والإختلافات في المجتمع البشري".

اضاف: "وتعزيزا لسلامة العلاقات بين الناس، فقد تعددت الروايات والأحاديث في الدلالة على ترسيم نهج أخلاقي من خلال منظومة القيم والمبادئ التي تبعد الإختلاف عن دائرة الخلاف والنزاع وتهيء المناخ السليم والسلمي بين أفراد المجتمع كما جاء في بعضها: (أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المؤمنون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) و(أفضل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، ثم قال لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه وحتى يأمن جاره بوائقه) و(أفضل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده) (والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه) (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم)".

وتابع: "ومن الأحاديث ما ورد عن النبي: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" وفي حديث آخر عن أبي أيوب الأنصاري: (قال ألا أدلك على صدقة خير لك من حمر النعم ؟ قال: بلى يا رسول الله· قال :تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا) وفي بعض النصوص الأخرى: (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) والنصوص بهذا المعنى كثيرة".

واردف: "ومن الواضح أن هذه التشريعات لا تخص المسلمين وحدهم بل هي شاملة لكل مكونات المجتمع من المسلمين وغيرهم باعتبار ورود كلمة الناس في بعض تلك الأحاديث وكلمة الجار المطلقة وغير المقيدة بدين أو مذهب·والناظر في هذه النصوص وما تقدمها يعلم منها أن رسالة الإسلام لا يكفي في حملها والإنتساب إليها إيمان بها لا ينعكس على العمل والسلوك في علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، فليس الإيمان شكلا في الثياب ولا لقلقة في اللسان وإنما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل".

وختم: "كما قلت في بداية هذه الرسالة سيجد الباحثون الكثير من النصوص الآمرة باعتماد قيم الوسطية والإعتدال منهجا في الدعوة إلى الإسلام، ولكن ما نحن بحاجة إليه لمواجهة التطرف والدعاية السلبية عن الإسلام أن تتحول تلك القيم إلى ثقافة تؤثر في السلوك، ولكي تتحول إلى ثقافة كذلك فلا يكفي سرد تلك الأحاديث في المناسبات والمؤتمرات، فنحن بحاجة إلى تحويلها إلى كتاب يدرسه أبناؤنا في مدارسهم ، ولذلك لا بد من إعادة النظر في مناهج التعليم، فإن هذا يعتبر الخطوة العملية التي تنشر قيم الوسطية والإعتدال في الإسلام بين الناس وتعمل على تحويلها إلى ثقافة تحمل الخير لأمتنا وللعالم كله".