الفلسطينيون أكدوا من البداية أنهم لن يشاركوا في هذا المؤتمر وأنهم يخوضون حملة سياسية على كافة الأصعدة، لمقاطعة هذا المؤتمر أو عدم السير وفق الترتيبات المخططة له، خاصة بعد المبادرات العدوانية التي اتخذتها إدارة ترامب ضدهم.
 

طبيعي أن تتّجه أنظار المهتمين نحو مؤتمر البحرين، 25 و26 يونيو، الذي يفترض أن يضع الأسس لترتيبات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بشأن العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، على ركائز اقتصادية وعبر تنمية المنافع المتبادلة وتحجيم نفوذ إيران في المنطقة.

بيد أن تلك الفرضية بحاجة إلى تفحّص ومراجعة لأسباب متعددة أولها، أن لا شيء يشي بإمكانية نجاح هذا المؤتمر، إذ أن تجربة إقامة علاقات تعاون اقتصادي، والتركيز على المنافع الاقتصادية المتبادلة، لم تنجح في السابق، بسبب افتقار هذه العلاقات للزيت السياسي، أو افتقارها المواءمة بين العجلة الاقتصادية والعجلة السياسية، ولنا في تجربة مؤتمر مدريد (1991) والمفاوضات متعددة الأطراف المنبثقة عنه، وكذلك مؤتمرات “التنمية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا”، والتي كانت عقدت في الدار البيضاء والدوحة وعمان والقاهرة (1994 و1997)، لأكبر تأكيد على ذلك.

ثانيها أن المشكوك فيه إمكان قيام علاقات إسرائيلية-عربية من دون نزع الفتيل الفلسطيني، رغم أن الظروف السائدة منذ سنوات تفيد بتضاؤل البعد الفلسطيني في ظل صراعات القوى على الشرق الأوسط هذه الأيام، ومع أطراف قوية مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا. ثالثها أن فرضية خلق ترتيبات جديدة في المنطقة كانت صدرت من فكرة مفادها العمل على تحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي وفي اليمن، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة، لكن حتى الآن ورغم كل الضجيج السياسي والعسكري، لا توجد أي خطوة عملية أميركية في هذا الاتجاه.

الأجواء التي سيعقد فيها مؤتمر البحرين في الشهر القادم غاية في الاضطراب، وذلك لثلاثة أسباب. الأول التصعيد الأميركي- الإيراني في الخليج العربي، وهذا التصعيد بات يشهد احتمالات الانفجار، كما حصل مؤخرا على خلفية ما تعرضت له أراضي المملكة العربية السعودية، واستهداف منابع النفط، أو استهداف ناقلات نفط في الخليج العربي.

وثانيا بسبب خيبة الأمل من جهود إدارة دونالد ترامب الرامية لخلق حالة أمر واقع من العلاقات الإسرائيلية-العربية، التي تقوم على أولوية الاقتصاد على السياسة، أو أولوية المنافع الاقتصادية على الحقوق الوطنية، وضمن ذلك دفعها باتجاه فكّ الارتباط العربي، ولو النظري، بقضية فلسطين، واعتبار إسرائيل بمثابة شريك في المنطقة، دون أن تقدم هذه أي استحقاقات من قبلها إزاء الحقوق الفلسطينية وإزاء الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967.

والثالث أن الفلسطينيين أكدوا من البداية أنهم لن يشاركوا في هذا المؤتمر وأنهم يخوضون حملة سياسية على كافة الأصعدة، لمقاطعة هذا المؤتمر أو عدم السير وفق الترتيبات المخططة له، خاصة بعد المبادرات العدوانية التي اتخذتها إدارة ترامب ضدهم، بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وصولا لإغلاقها مكتب منظمة التحرير في واشنطن، مرورا بوقفها مساعدات منظمة أونروا في سياق سعيها لتصفية قضية اللاجئين. على ذلك ربما تأتي تصريحات وزير خارجية البحرين، في إطار تهدئة المخاوف الفلسطينية والعربية، وذلك بتأكيده أن المؤتمر العتيد يستهدف “دعم الاقتصاد الفلسطيني وليس له أي هدف آخر”. وتصريحه “نحن نؤيد الشعب الفلسطيني ونضاله لإعادة حقوقه في بلاده ودولته التي عاصمتها شرقي القدس″.

في هذا الإطار من المفيد مراجعة بعض وجهات النظر الإسرائيلية، فالكاتب الإسرائيلي يوسي ميليمان، مثلا، يرى أن “السلام الاقتصادي غير كاف”، وأن “التذبذب الذي يميّز الإدارة الأميركية الحالية في غير قليل من المواضيع، في السياسة الخارجية والداخلية لا يمكن أن يأتي بخطة ناجحة”.