الولايات المتحدة لن تغض النظر عن أي تسهيلات تقدمها أطراف عراقية رسمية لطهران بهدف تخفيف العقوبات عنها.
 
فتحت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق، مجالا لمقارنة تأثيرها بزيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بغداد في السابع من الشهر الجاري، أثار مضمونها الكثير من التكهنات.
 
وبينما تجوّل ظريف بين مكاتب كبار المسؤولين وقادة الكتل والأحزاب والمكونات ورجال الدين وزعماء العشائر خلال زيارة تستمر يومين، اقتصرت زيارة بومبيو إلى بغداد على 4 ساعات فحسب، التقى خلالها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، فيما ترك خلفه أحد مساعديه ليستكمل المشاورات.
 
ووجه بومبيو تحذيرات صريحة للمسؤولين العراقيين بأن الولايات المتحدة لن تستطيع غض النظر عن أي تسهيلات تقدمها أطراف عراقية رسمية لطهران بهدف تخفيف العقوبات عنها، بينما جاء ظريف إلى بغداد ليقترح صيغا بديلة عن التبادل التجاري بين البلدين بالدولار الأميركي.

وقالت مصادر مواكبة إن الوزير الأميركي طلب من المسؤولين العراقيين بوضوح ضبط سلوك الميليشيات العراقية الموالية لإيران، في حال ازداد التوتر بين طهران وواشنطن، بينما تجنب الوزير الإيراني أي أشارة إلى هذا الملف، الذي يخضع كليا لإدارة الحرس الثوري، وجنراله قاسم سليماني.

ويعتقد مراقبون أن الحكومة العراقية يمكنها أن تلبي جانبا من المطالب الأميركية، لكنها عاجزة تماما عن تلبية أي مطالب إيرانية.

ويمكن لبغداد أن توفر معلومات دقيقة عن مخازن سلاح ومعسكرات تابعة لميليشيات عراقية موالية لإيران في مناطق مختلفة من البلاد، لكنها عاجزة عمليا عن تجاوز نظام رقابة التحويلات المالية الصارم، الذي يشغله الأميركيون في البنك المركزي العراقي.

لكن القيادات السياسية في العراق، انتهزت فرصة وجود وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في بغداد، لتعلن إجماعها على رفض اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران.

وجاء التعبير الأوضح عن الموقف العراقي الرافض للحرب من وزير الخارجية محمد علي الحكيم، الذي قال إن “العراق ضد العقوبات الأميركية على طهران”، مؤكدا أن بلاده تسعى إلى “الوقوف مع الجارة إيران بأي شكل من الأشكال”.

ولم يكشف الحكيم عن الآليات التي سيتبعها العراق للوقوف مع إيران، ما وضع تصريحاته، وفقا لمراقبين، في خانة المجاملات الدبلوماسية.

وخلال لقائه بظريف، تجنب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي التعبير عن أي موقف واضح من الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، مكتفيا بـ”التداول” مع الوزير الإيراني، “في الأوضاع الإقليمية والدولية وكيفية تجنيب البلدين والمنطقة أضرار العقوبات ومخاطر الحرب مع التأكيد على أهمية الأمن والاستقرار للمنطقة وكيفية الإبقاء على الاتفاق النووي”.

وتقدم الرئيس العراقي برهم صالح، عندما استقبل ظريف، خطوة في الحديث عن “حرص العراق على تعزيز الوشائج مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسعيه إلى تعزيز العلاقات مع الجوار الإسلامي وعمقه العربي”، مكررا أن “العراق يسعى إلى أن يكون نقطة التقاء بين الدول الشقيقة والصديقة، وعامل استقرار في المنطقة من أجل بناء علاقات متوازنة مع الدول كافة، لاسيما دول الجوار وفقا للمصالح المشتركة”.

وبحث صالح مع ظريف “آخر المستجدات السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وضرورة منع الحرب والتصعيد والركون إلى التهدئة واعتماد الحوار البناء من أجل ترسيخ أسس السلام في المنطقة، وأهمية بذل الجهود المشتركة لتجنيب المنطقة أضرار العقوبات والتوصل إلى حلول سياسية للأزمات الحالية”.

من جهته، أكد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، لدى استقباله الوزير الإيراني “حرص العراق في الحفاظ على علاقته بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وجميع دول المنطقة” مشيرا إلى “خطورة التصعيد في المنطقة، وضرورة الحوار والمبادرات السلمية لبناء الثقة بين كل الأطراف”.

لكن الحلبوسي تعهد بأن يلعب العراق “دورا محوريا لخفض التصعيد بين طهران وواشنطن، ولن يكون في أي محور”.

ومواقف الإجماع السياسي في العراق نادرة، وعادة ما تتعلق بقضايا شكلية، ما يعني أن الأطراف السياسية العراقية تدرك ضآلة تأثير حراكها في مستقبل الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران.

ولم يفت الوزير الإيراني أن يعبّر عن “ترحيبه بدور العراق في تقريب وجهات النظر” مشيرا إلى أن بلاده “لا ترغب بأي تصعيد عسكري، وهي على استعداد لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد وتكوين علاقات بناءة مع جميع دول الجوار”.

وحال انتهائه من سلسلة اللقاءات التي شملت فعاليات عراقية مختلفة، توجه ظريف إلى النجف للقاء مرجعيات دينية.

وتقول مصادر إن طهران، ربما تعول على دعم النجف في مواجهتها مع واشنطن، انطلاقا من “واحدية المذهب” بين شيعة العراق وشيعة إيران.

وتقول مصادر مطلعة إن الوزير الإيراني يركز خلال لقائه مرجعيات دينية عراقية على الأضرار الاقتصادية التي يتعرض لها الشعب الإيراني جراء العقوبات الأميركية، وما يمكن أن يصيبها من تعقيد إضافي في حال هاجمت الولايات المتحدة إيران.

وتأمل طهران في أن تدفع القيادات الدينية في العراق إلى موقف مناصر لإيران أو مناهض للحرب في أقل اعتبار، لاستخدامه في حملتها الدعائية ضد الولايات المتحدة.

وفرّق مراقب سياسي عراقي بين زيارتي بومبيو وظريف للعراق، في أن الأول اكتفى بإلقاء تعليماته ومضى لذلك لم يحتج إلا لأربع ساعات من خلالها وصلت رسالته إلى الميليشيات التابعة لإيران، أما ظريف فإنه يحتاج إلى الحصول على تصريحات من قبل المسؤولين العراقيين وذلك لاستعمالها في رفع معنويات الداخل الإيراني إضافة إلى أن تلك التصريحات تضع حدا لما يتم تداوله من أن موقف الحكومة العراقية هو أقرب إلى الولايات المتحدة من إيران.

ولفت المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى حرص ظريف على أن تكون زيارته رسمية بحيث لم يلتق أحدا من قادة الميليشيات الذين صاروا جزءا من الطبقة السياسية بعد دخولهم إلى مجلس النواب.

وقال “بالرغم من سياسة الضغط الناعم التي يمثلها ظريف فإن الوزير الإيراني لم يحصل إلا على أقوال سائبة يُمكن أن تُقال من غير أن تكون مدعومة بالتزامات مؤكدة. وهو ما يثبت أن السياسيين العراقيين يحاولون أن يفلتوا من الإقرار بأنهم لا يملكون القدرة على تحديد موقع العراق من الحرب إذا ما وقعت وهم إذا ما كانوا يتمنون عدم وقوع الحرب فلأنهم يخشون أن تكون تلك الحرب مناسبة للكشف عن ضعفهم أمام الميليشيات التي ستقوم بنشر الفوضى في البلاد في حالة قيام الحرب”.

واعتبر زيارة ظريف إلى العراق جزءا من حملة علاقات عامة، تسعى طهران من خلالها إلى إيهام الرأي العام داخل إيران بأن جبهتها لم تضعف ولم تتأثر بسبب التهديدات الأميركية.