جاء أيّار ليمحو عريّ النكبة والنكسة وفرص المقاومة العربية والفلسطينية الضائعة وأخذ صداه في المسامع العربية وثمّة من اجتهد لتحويل الفرصة التاريخية الى هزيمة نكراء.
 

لم تعد تنفع الخطابات التبجيلية ولا تحشيد المفردات اللفظية المادحة بشعب أحيلت اليه كل انتصارات العالم وانتسبت اليه فتوحات التاريخ وحاصرته وصايا الأوصياء والأولياء وما جاءت به كُتُبُ الأنبياء حتى ظنّ نفسه شعب الله المختار فأخذته العزّة الى حيث المدح الفارغ من أيّ مضمون يّذكر وهذا ما جعله بطلاً مؤقتاً يصرف وهم بطولاته في استعراضات غير مُجدية وفي انتفاخ ورميّ لأنّه كرّس أمراضاً عُضالاً في بنية اجتماعية مصابة بأدران الكرامة والشهامة و البطولة والأنف والغرور و "التمخطر" كطاووس في حديقة الدواجن.

ظنّ الكثيرون من الممتدحين أنهم وصلوا سدرة المنتهى وجلسوا على العرش تحيط بهم ما وعد الله من امتحن قلوبهم بايمان غليظ وصاروا يتصرفون على أساس ما في أكتاف أعمالهم من حسنات فائضة وهذا ما أنهك الملاكان المكلفان بتدوين الأعمال لأمّة اغتالها مؤمنوها منذ أن تحولت وعود الله الى متع أنفس في سلطة لم ينأ عنها أحد من القائلين بالزهد والعفّة وكراهية الدنيا.

إقرأ أيضًا: من عبد القادر إلى عبد الفتّاح فالخليفة حفتر طبلة السياسي ومزمار العسكر

لأكثر من اثني عشرة قرناً ونحن من المتفرقين على وقع أقدام خيول الخليفة وكل منّا يُكذب بطولات الآخر فنحن اعتبرنا السقيفة مشروع وأد لحقيقة النبيّ وهم اعتبروها مشروع حماية لمشروع النبي ونحن اعتبرنا الفتنة تأسيساً على باطل وهم اعتبروا الفتنة تأسياً على سلطة سعى اليه الطامعون و الطامحون من الصحابة وهي شرّاً لهم ووقنا الله من نارها الحاقدة ونحن شككنا بالفتوحات وهم امتدحوها وجعلوها منزلة من منازل بدر وهم داسوا ديار الشرق والغرب ووصلوا الى حيث تصهل أحصنة الأمويين والعباسيين واعتبروا ذلك مننٌ من الله ونعمة من نعمه ونحن اعتبرناها نقمة وبلاء عظيم لسلطة مطعون دائماً بها لأنها مخالفة لأمر الله ووصيّة رسوله في أهل بيته.

لم نتوقف عند حدود التاريخ فاستمرّت التفرقة في كل شيء من الآذان الى الجهاد الى قضايا الأمّة الجديدة فلم تعجبنا الدولة الوطنية التي قامت على أنقاض السلطنة العثمانية ونهاية دولة الخلافة وكفرنا بها كما كفر كل الاسلاميين بها كونها شكلاً من أشكال الكفر وهنا بقيّ الحنين مشدوداً بين المذاهب والملل لدولة الولاية بالنسبة للشيعة والخلافة بالنسبة للأهل السُنة وعادت لعبة المصالح لتأخذ دورها في الفقه الاسلامي بحيث يغطي فقيه أيّ مدرسة مذهبية الدولة التي يراها راعية له ومتصالحة معه في مصالح محدودة ومع المدّ القومي العربي ومن ثمّ انتشار اليسار العربي على خلفية التحرّر من الاستعمار وتحرير فلسطين دون ترك أيّ شبر من أرضنا العربية تعالت أصوات الاسلاميين ضدّ الكفرة الجُدد محددين أولوية المعركة ضدّ هؤلاء العلمانيين أنظمة وتيّارات سياسية وهنا تلاقى الاسلاميون شيعة وسُنة في خندق واحد وكل بحسب امكانياته وبحسب قدراته لمواجه الكفار الساعين الى علمنة الأمّة.

إقرأ أيضًا: اسرائيل وروسيا وتخريب سوريا

كانت فلسطين أرضاً خصباً للصراعات العربية – العربية لذلك "استنزفتنا " القضية الفلسطينية بصراعاتها من الأردن الى لبنان ودفنا أغلى ما نملك في هذه الصراعات ولم نبذل لحرب العدو الاسرائيلي ما بذلناه في حروب الزواريب وكنا في كل زاروب دمرناه نرفع شارة النصر على العدو وهكذا استمرت لعبتنا الى أن انتهت المقاومة الفلسطينية وانتهى المشروع القومي ومعه سقطت مسودات اليسار العربي وبقيت أنظمة قمعية وحشية تستمدّ شرعيتها من الاستعمار وبقيت بقايا أحزاب شبيهة أو نسخة طبق الأصل عن هذه الأنظمة البوليسية.

جاء أيّار ليمحو عريّ النكبة والنكسة وفرص المقاومة العربية والفلسطينية الضائعة وأخذ صداه في المسامع العربية وثمّة من اجتهد لتحويل الفرصة التاريخية الى هزيمة نكراء.