يصل مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الى بيروت الثلثاء المقبل لوضع أسس بداية التفاوض اللبناني ـ الإسرائيلي حول الترسيم المتزامن للحدود البحرية والبرية، برعاية الأمم المتحدة وبدعمٍ وحضورٍ أميركيَّين، وليس من المستغرب أن يتم التوافق في هذه الزيارة على تحديد موعد بدء الجلسة الاولى من المفاوضات، وبداية البحث في تشكيل الوفود المشاركة، علماً أنّ من المرجح أن يستضيف المكان نفسه في الناقورة الذي تجرى فيه المفاوضات العسكرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة، التفاوض الجديد حول الترسيم.
 

كانت أمام لبنان خيارات عدة منها قبول الوساطة الاميركية وقد قبل بها بعد شدّ وجذب، ومنها ايضاً الذهاب الى رفع دعوى امام المحكمة الدولية لقانون البحار، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات الربح والخسارة، ومن احتمال انتظار أشهر او سنوات لبَتّ الدعوى، وهو بالطبع ليس في مصلحة المتقاضين بغض النظر عن طبيعة الحكم الذي سيصدر.

توجز مصادر مطلعة على التفاوض الذي سيبدأ قريباً، رحلة الوصول الى الناقورة وما سيليها بالآتي:

ـ أولاً: انقسم الموقف اللبناني عند طرح المبادرة الأميركية الى قسمين، الأوّل مثّله رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، قضى بالقبول بمبدأ فصل الترسيم البحري عن البري، خلاصة هذا الموقف تقول إنّ لبنان سيستفيد حكماً اذا ما انجز الترسيم البري، اذ سيكون في الموقع الايجابي امام المجتمع الدولي، وسيترجم ذلك بتلبية مطالبه في شأن الترسيم البحري. اما الموقف الثاني فقد أصرّ عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي شدّد على التزامن بين الترسيمين، وهو ما حصل فعلاً، وخلاصة هذا الموقف، الخشية من أن يأتي الترسيم البري إذا أُنجز على حساب الترسيم البحري، وبذلك يكون لبنان قد خسر مئات الكيلومترات من المساحات البحرية لمصلحة اسرائيل.

ـ ثانياً: من المبادئ الثابتة التي إتُفِق عليها في التفاوض أنه سيجري في الناقورة وليس في نيويورك، وقد أصرّ الموقف اللبناني على أن تكون الناقورة مكان التفاوض، لكي لا يكسب الوفد الاسرائيلي مزايا تفاوضية معنوية مرتبطة بالمكان، وسيكون التفاوض بالطريقة نفسها التي اتُبعت في المفاوضات بين الجيش اللبناني والجيش الاسرائيلي برعاية قيادة قوات «اليونيفل»، أي لن يكون هناك تفاوض مباشر ولا كلام مباشر، على رغم من أنّ قاعة واحدة تضمّ المتفاوضين والامم المتحدة، والوفد الاميركي الذي سيشارك في التفاوض، كذلك ستتمّ المباشرة في تشكيل الوفد اللبناني الذي يضمّ حكماً مَن يمثل الجيش اللبناني، مع ترجيح أن يضمّ خبيراً أو أكثر في القانون الدولي له تجربة تسمح بإدارة نوع من التفاوض كهذا.

ـ ثالثاً: سيكون التفاوض البري الأهم حول النقاط التي وضع عليها لبنان تحفظاً، وأبرز النقاط الحدودية تلك التي تصل اليابسة بالبحر عند رأس الناقورة، وهي تبعد 500 متر من المقرّ الذي ستتم فيه المفاوضات. هذه النقطة على الخط الأزرق التي تطلق عليها نقطة «بي 1»، استطاع الجيش اللبناني بغفلة تفاوضية من اسرائيل أن يدخل اليها، بمرافقة قوات «اليونيفل» وأن يستحصل على إثباتات حول كونها ضمن الاراضي اللبنانية، وهي نقطة تعطي المفاوض اللبناني أرجحيّة في النقاش حول رسم الخط البحري، تجاوزاً لخط هوف، الذي بدأ ترسيمُه انطلاقاً من نحو 4 كلومترات داخل البحر وصولاً الى نهاية المياه الاقليمية للبنان ولفلسطين المحتلة، علماً انّ اسرائيل تطالب برسم الخط البحري من الـ«بي1» الى النقطة 1 عند الحدود البحرية اللبنانية القبرصية، فيما يطالب لبنان بالانطلاق من الـ«بي1» جنوباً داخل البحر، بما يمكنه من امتلاك المساحة البحرية التي يطالب بها، هذا فيما يعطي خط هوف لبنان ثلثي المساحة المتنازَع عليها.

في ظلّ كلام عن مطالبة اسرائيل مفاوضات مفتوحة زمنياً، وفي ظلّ الاستعداد لانطلاق المفاوضات العادلة، ستنطلق مرحلة تحديد الحدود البحرية وترسيمها، ما سيسمح إذا نجحت هذه المفاوضات بالبدء بتلزيم استثمار استخراج الغاز، ويرتبط نجاح هذه المفاوضات او فشلها، بمدى متابعة الولايات المتحدة الاميركية للمفاوضات، خصوصاً أنّ الاميركيين سيكونون الطرف الداعم لنجاح الترسيم، وهذا لن يتم من دون ممارسة ضغط حقيقي على اسرائيل.