ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة، في مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة، أشار فيها إلى أنه "وسط المخاضات الصعبة، والمواقف الانقسامية بخلفيات التحدي والكيدية، تكاد تولد الموازنة المترنحة بين السقوط في هاوية الإفلاس، أو الوقوف على حافة انهيار الدولة ومؤسساتها، وإدخال البلد في حال الجمود الاقتصادي والإنمائي، الذي بلغ حدودا غير مسبوقة، جراء المناكدة، وتراكم الأخطاء والارتكابات التي فاقمت الدين العام، وأثقلت خزينة الدولة بمبالغ وفوائد لا طاقة للبنان واللبنانيين على تحملها، أو الحد من تداعياتها.

وتابع: "ولهذا، نحن أمام واقع معقد من المعالجات التي لم ترق بعد إلى مستوى الأزمات الحقيقية في البلد، ولا يمكن أن تشكل حلولا جذرية ونهضوية ما لم يكن هناك موازنات مستنيرة وجريئة تقوم على وقف الهدر ومكافحة الفساد فعلا لا قولا، تواكبها رؤية إصلاحية واقتصادية واعدة، تضع حدا لسياسة التعطيل والصفقات والتنفيعات وتوزيع المغانم على المستغلين والمتنفذين من أصحاب السلطة وزعمائها، لأنه من غير الجائز على الإطلاق أن يؤخذ من الفقراء لتغطية ما نهبه الأغنياء، وأن يقتطع من رواتب الموظفين وبخاصة العسكريين والمتقاعدين للتعويض على ما لحق بمالية الدولة، جراء سياسة الهدر ومد اليد على المال العام".

ولفت قبلان إلى "أن السرقات المقننة وغير المقننة يجب أن تتوقف، فلبنان ليس فقيرا بل منهوبا، ولا بحاجة إلى مساعدة من هنا أو هناك، لا لسيدر ولا لغيره، بل هو قادر على الخروج مما هو فيه، إذا عرف اللبنانيون كيف يبنون اقتصادا قويا وإدارة نظيفة وسياسة عفيفة، لأن ما بنى الدول هو الاقتصاد وليس الاقتراض"، داعيا "الجميع إلى التعاون والخروج من نزعة الادعاء والبطولات والفوقيات، والتطلع إلى بناء دولة لها مؤسساتها وإداراتها، لها خططها وبرامجها، لها هيئاتها القضائية والرقابية، تحاسب، تكافئ، ولديها أجهزة عسكرية وأمنية قادرة على تأكيد هيبة الدولة، وتطبيق القوانين، واستعادة ثقة الناس التي باتت من أولى الأولويات، ولا سيما في ظل الأوضاع المحيطة، حيث طبول الحرب تقرع، والأساطيل تتقاطر، والتهديدات من كل الجهات، والاستهدافات شاملة ليست لإيران فحسب، بل للمنطقة وشعوبها، فالمشروع كبير، وصفقة القرن قد ترسم خرائط جديدة وخطيرة، وعليه نكرر النداء والمناشدة لكل قيادات المنطقة وزعمائها، وندعوهم إلى مراجعات عاقلة، وحسابات موضوعية، يتغلب فيها منطق الحكمة والرشاد، على منطق الخصومة والعداء، لأن الحرب إذا وقعت - لا سمح الله - لا أحد سيسلم، بل سيكون الرابح الوحيد هو إسرائيل".

وشدد قبلان أن "إيران ليست ضعيفة، وهي لن تتنازل عن حقها ولن تفرط بكرامة شعبها مهما غلت التضحيات، ولن تكون لقمة سائغة لأحد، أو تابعة لأحد، وسنكون معها، وإلى جانبها في تصديها، وفي مواقفها الداعمة للشعوب المظلومة والمستضعفة، ولن نقدم أوراق اعتمادنا لأحد، ولن ننصاع إلا للحق. فانتبهوا أيها العرب، وكونوا على حذر من الفخ الأمريكي، ولا تنزلقوا إلى ما تستدرجون إليه، وكونوا على يقظة تامة، واعملوا معا على إنجاز مصالحة تاريخية تحفظون بها شعوبكم ودولكم وكرامتكم، وتقطعون بها الطريق على كل مشاريع الهيمنة الأمريكية الصهيونية".