سبق السيف العذل، أُبرمت الصفقة، ونال المحظيّون مرامهم، وعلى المواطن أن يتحمّل المزيد من المصائب، ولله عاقبة الأمور.
 

عندما طُرحت فكرة تركيب كاميرات مراقبة غُرف الامتحانات الرسمية، اعتقدنا لأول وهلة أنّ في الأمر مزحة "سمجة" للنّيل من كرامة وزير التربية الوطنية الحالي أكرم شهيب، أو في أحسن الأحوال هي اقتراحات من شطحات خيال من تستهويهم الأساليب البوليسية في معالجة الأزمات الإجتماعية والأخلاقية والدينية والأمنية وآخرها التربوية منها، حتى فوجئنا اليوم بأنّ الإقتراح بمراقبة المعلمين "المُراقبِين" قد وُضع موضع التنفيذ، وأنّ الكاميرات قد "رُكّبت" بالفعل فوق رؤوس الطلاب و "مُعلّميهم"، حتى باتت كلّ حركة من طالبٍ أو "إغفاءة" بسيطة من مراقب امتحانات في عهدة المراقِب الكبير في مركز الامتحانات الرسمية، لاتخاذ ما يلزم من تدابير بتنبيه الطالب وزجره، وربما بإخراجه من قاعة الامتحانات، أمّا المُراقب الذي يتوجّب عليه أن لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نوم، فقد ينال نصيبه من التنبيه والتّقريع.

إقرأ أيضًا: رئيس الجمهورية حالُهُ حال المواطن.. يُعاني ثقل المديونية

ما يدفعنا إلى الكتابة حول هذا الموضوع، ليس الاعتراض على انتظام مراقبة الامتحانات بأحدث الأجهزة الإلكترونية، إنّما هو التساؤل والاستغراب: من أين يأتي هؤلاء المسؤلين فجأة بالأموال العامة لتبذيرها وصرفها في غير موضعها الصحيح؟ ففي عصر التّقشُّف وضبط النفقات، وملاحقة الموظفين المدنيين والعسكريين الذين افنوا عمرهم في وظائفهم، لاقتطاع ما يمكن من رواتبهم ومُكتسباتهم، كيف وجد الوزير شهيّب ثمانماية ألف دولار أمريكي ثمن كاميرات المراقبة اللازمة، ليكتشف المسؤولون فيما بعد أنّها من قبيل لزوم ما لا يلزم، وأنّ الداهية الأمرّ هي صيانة هذه الآلات في العام المقبل والذي يليه، وعندها سيكتشف أولو الأمر أنّ صفقة صيانتها ستتعدّى المبلغ الذي رُصد لشرائها، وسيفوز بها المحظيّون عادةً في قنص الصفقات والذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، كتف الدولة المتهالكة فعلاً.

إقرأ أيضًا: أبو حمزة الخارجي والفرقة التاسعة اللبنانية

ما هكذا تورد الإبل يا معالي الوزير، خاصةً أنّ بيك المختارة يحمل هذه الأيام هموم الناس ويّحرّض على المزيد من التّقشّف، وكان قد بدأ بنفسه عندما قال بانّه لا يستسيغ إعطاءهُ معاشاً تقاعدياً عن نيابته السابقة، وأنّه يقبض تسعة ملايين ليرة شهرياً دون وجه حقّ، فالنيابة ليست وظيفة يستحقّ بعدها النائب معاشاً تقاعدياً.

اليوم، سبق السيف العذل، أُبرمت الصفقة، ونال المحظيّون مرامهم، وعلى المواطن أن يتحمّل المزيد من المصائب، ولله عاقبة الأمور.