هل دخلنا في زمن اعراف جديدة في لبنان؟
 

عادة الدستور والقانون يوجبان صدور قانون الموازنة قبل انقضاء العام. ولأجل ذلك، يصبح السؤال مشروعاً عن جدوى كل هذا الصراخ والتأجيل وتضييع الوقت، فيما المطلوب من الحكومة أن تكون في طور الإعداد لبدء دراسة موازنة عام 2020 بعد أربعة أشهر على أبعد تقدير، إذا قررت احترام الدستور، ولو لمرة واحدة لكن الملاحظ ان الوزير جبران باسيل لايترك مناسبة ، إلا وينتهزها ليؤكد للجميع بأن الأمر له وحده، وهذه ممارسات يستخدمها لتأكيد هذه الفكرة ليس لخصومه فقط، بل أيضاً في حسابات داخل التيار الوطني الحرّ وفي صفوف المقربين من رئيس الجمهورية. وكما هو فاعل في موضوع الموازنة المالية، فهو أيضاً سعى إلى تكريس سابقة في تاريخ المؤسسات،نجح وزير الخارجية جبران باسيل في تنفيذ ما يريد. 

لم يبق وزير إلا وأكد منذ أسبوع بأن البحث في الموازنة انتهى، إلا باسيل الذي كان يرفض ذلك قائلاً: "لم نصل إلى النقاش الحامي بعد". 

إقرأ أيضًا: كيف سيتجاوز لبنان قطوع مؤتمر مكة؟!

كان واضحاً أن باسيل يخفي مفاجآت عديدة، بعضها تقني وبعضها الآخر سياسي، عبر إظهار دوره الفاعل في إنجاز الموازنة كما يريد. كان باسيل أول من اتخذ موقفاً حول ضرورة تخفيض الرواتب والأجور وفرض ضرائب، فدخل لبنان في إضرابات، وبعدها تنصّل باسيل من مسؤولية ذلك، ليبقى رئيس الحكومة سعد الحريري وحده في مواجهة الشارع واحتجاجاته. محاولات التخفيف من حقيقة الأزمة، دفعت وزير الإعلام جمال الجراح إلى اعتبار أن تحديد موعد الجلسة الجديدة لمجلس الوزراء لاستكمال بحث ملف الموازنة يوم الجمعة يهدف إلى أخذ فترة 48 ساعة للبحث عن المزيد من الإقتراحات التي تؤدي إلى تخفيض العجز أكثر.

قد يكون كلام الوزير صحيحاً، ولكن بعض الإشارات تفيد بعكس ذلك، خصوصاً أن رئيس الحكومة سعد الحريري غضب من التوترات التي شهدتها الجلسة خاصة بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل. نفى الجراح أيضاً أي توتر، بينما المعلومات تؤكد حصوله، لا بل هذا التوتر مستمر منذ أيام إذ يعتبر خليل أن الموازنة انتهت، فيما يصرّ باسيل على أنها ليست كما يجب، ولا بد من استكمال النقاش فيها.

استشعر الوزراء، بأن ثمة وزيراً يريد الإستحواذ على كل شيء في الدولة، ويستند على ثلث معطّل ومقرر داخل مجلس الوزراء، يريد تجييره لصالح التحكم بمفاصل الجلسات والمقررات، والتدخل في شؤون وصلاحيات وزارات أخرى.

لطالما كان باسيل يطالب بالحصول على وزارة المالية، على مدى حكومتين متتاليتين لم يستطع تحقيق ما يريد، فربما ينتهز الفرصة حالياً لأداء دور وزير المال، أو للإثبات بأنه وحده القادر على إنقاذ لبنان مالياً.

إقرأ أيضًا: الموازنة متعثرة وخيبة أمل سائدة

وما يستغربه الوزراء أيضاً، هو سبب صمت رئيس الحكومة عن تصرفات باسيل، على الرغم من تعبيره عن غضبه في بعض المجالس وفق ما تؤكد مصادر عديدة ومتنوعة، لكنه لا يظهر غضبه أمام باسيل، بل اكتفى فقط عندما أيقن بأن جلسة الأربعاء لن تكون الأخيرة بالقول:" ماذا سأقول للناس، وكيف سنواجه اللبنانيين ونحن كلّ يوم ندعّي بأنها الجلسة الاخيرة للموازنة؟

ينجح باسيل بفرض ما يريده، مستفيداً من حجم كتلته الوزارية أولاً، ومن حرص كل القوى السياسية الأخرى على تمرير الموازنة بدون أي إشكالات سياسية، فيلعب في ساحة مفتوحة، ويبدو وحيداً في لعبته هذه التي إذا ما استمرت، ستؤسس لسوابق وأعراف كثيرة في المجريات السياسية اللبنانية، وستمسّ جوهر إتفاق الطائف وآلية إدارة الأمور وفق دستوره، ليس فقط عبر إظهار وزير يلعب دور وزير أول أو وزير الوزراء، بل حتّى في تطويق صلاحيات مجلس الوزراء، على حساب جهات أخرى، كإحالة البت بالتدبير رقم 3 إلى المجلس الاعلى للدفاع، وهذا سيعني سياسياً أن كل الملفات الأمنية سيبت بها هذا المجلس وليس الحكومة والاكيد أن الأمور لن تقف عند هذا الحدّ. فهل دخلنا في زمن اعراف جديدة لننتظر ونرى.