لأن إيران تدرك أن حربا جديدة في المنطقة ستكون مكلفة للجميع، فإنها تراهن على أن ذلك سيكون بوابة لتسويات قد تكون أقل تأثيرا على مكانتها في المنطقة من القبول بالشروط الأميركية الجاهزة من غير حرب.
 

الحرب بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن لا تقع في حالة إذعان الأخيرة للشروط الأميركية. وهو أمر لا يمكن توقع حدوثه ما دام المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي حيا.

لا يمكن التعرف بشفافية على المزاج السياسي في إيران ما دامت آليات عمل النظام هناك قائمة على تقديس الوصاية العقائدية واعتبارها أساسا للعمل السياسي.

لقد تفاعلت إيران مع العالم سياسيا في السنوات التي سبقت إبرام الاتفاق النووي وذلك لأسباب نفعية، غير أن توقيع الاتفاق بالرغم من منافعه الكثيرة لم يحظ برضا المؤسسة الدينية وعلى رأسها خامنئي شخصيا.

لذلك فشلت الدبلوماسية الإيرانية في الاستمرار في الحوار مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من أجل ترسيخ الاتفاق بطريقة لا تسمح للولايات المتحدة بالانسحاب منه. كانت تلك فرصة فوتتها إيران على نفسها.

من هذا كله نستنتج أن إيران لن تذهب إلى مفاوضات، تعرف أنها لا تحظى بمباركة الولي الفقيه بسبب وجود الشروط الاثني عشر التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تتراجع عنها، أو عن عدد منها.

من غير مفاوضات هل يمكن تجنب الحرب؟

نعم يمكن تجنبها في حالة أن إيران قررت أن تصمد في وجه العقوبات المتصاعدة. وهو رهان ينطوي على مغامرة استعادة سيناريو الحصار الدولي الذي فُرض على العراق.

غير أن الإيرانيين يمنون النفس في أن يكونوا في حالة صمودهم أفضل حالا من العراقيين الذين كان الحصار عليهم قد فُرض بموجب قرارات دولية، فيما هو في الحالة الإيرانية حصار أميركي لا يتمتع بتأييد دولي معلن.

سيكون ذلك صحيحا لو لم تكن الولايات المتحدة مهيمنة على أسواق النفط والمال وهما ركيزتا المشروع الإيراني في المنطقة. لذلك لا يمكن مقارنتها بالعراق الذي اكتفى أثناء سنوات حصاره بإطعام شعبه. إن صمدت إيران في وجه العقوبات في ظل نقص حاد في الأموال، فإنها ستكون عاجزة عن تمويل برامج تسلحها والميليشيات التابعة لها في لبنان والعراق واليمن وسوريا. وهو ما سيقود حتما إلى إضعاف وجودها خارج حدودها الإقليمية.

سيكون يومها على إيران أن تتخلى عن محور المقاومة المزعوم الذي تتزعمه، إضافة إلى أنها ستكون عاجزة عن تطوير برنامجيها النووي والصاروخي. ذلك ما يجعل صمودها من غير نفع.

إذا لم تتفاوض ولم تقرر الصمود في وجه العقوبات التي ستستمر إلى ما لا نهاية، فإن إيران ستكون مضطرة إلى أن تختار الحرب حلا. ستكون الحرب خيارها الساخن من أجل أن لا تقع ضحية للخيارات الباردة.

ولأن إيران تدرك أن حربا جديدة في المنطقة ستكون مكلفة للجميع، فإنها تراهن على أن ذلك سيكون بوابة لتسويات قد تكون أقل تأثيرا على مكانتها في المنطقة من القبول بالشروط الأميركية الجاهزة من غير حرب.

ترغب إيران اليوم بسبب الضغوط التي تعرضت لها في توقيع اتفاق نووي جديد، غير أنها تنظر بعين الشك إلى ما يحيط بها من مخططات تسعى إلى التضييق عليها وتحجيم دورها في المنطقة.

ما لا تستطيع إيران اليوم الإعلان عنه سيكون ممكنا بعد حرب قصيرة.

سيكون يسيرا عليها أن تتخلى عن محمياتها. ذلك لأنها ستكون مطمئنة إلى أنها تترك تلك المحميات في قبضة ميليشياتها.

تلك مشكلة أخرى، سيكون على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة أن يعالجوها بوسائل مختلفة. وهو ما تأمل إيران من خلاله أن تسترجع نفوذها بعد مضي العاصفة.

ولكن تلك الحرب إن وقعت قد لا تنتهي إلى التسويات التي تحلم بها إيران. فقد تكنس الحرب ميليشياتها في الوقت الذي تشل فيه قدرتها على الدفاع عن النفس. وهو أمر يمكن توقعه في أنظمة الحرب الحديثة.

يومها ستندم إيران على أنها رفضت خيار التفاوض.