قبل أن يكشف الأميركيون ماهية «صفقة القرن» تحضيراً لإطلاقها المتوقع بعد رمضان، دعت واشنطن الى مؤتمر في المنامة تحت عنوان «الرخاء من أجل السلام» نهاية حزيران المقبل. وبعد الكشف عن بعض الملفات المطروحة للنقاش في هذا المؤتمر، طُرِح السؤال عن حصة لبنان منه، وكذلك حصة اللاجئين الفلسطينيين واليهود في الشتات.
 

لم تُحدِث الدعوة الى مؤتمر المنامة ما بين 25 و26 حزيران المقبل الأصداء نفسها في كثير من الدوائر السياسية والديبلوماسية، بعد أن تفاجأ البعض بهذا المؤتمر والملفات المدرجة على جدول أعماله ربطاً بمشروع «صفقة القرن».

ففي التوقيت أولاً، رأى العارفون بما يجري تحضيره للصفقة أنّ واشنطن اختارت موعداً ملتبساً للمؤتمر. إذ إنّ هناك من يعتقد أن ليس مضموناً بعد، الكشف عن هذه الصفقة بعد نهاية رمضان المرجحة بين 5 و6 حزيران، وقبل موعد المؤتمر في 25 منه، مقابل من يعتقد العكس. وسواء أطلقت عناوين الصفقة ضمن هذه المهلة أم لا، فإن الجميع أمام موعد محدد للمؤتمر ليس سهلاً تعديله، ولن تنتصر أيّ نظرية على أخرى، الى أن يحسم صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر المكلّف هذه الخطة قراره بالكشف عن عناوينها وأهدافها القصيرة والبعيدة المدى أو العكس. 

فكل ما هو معروف حتى الآن‘ أنّ كوشنر ما زال يعمل على هذه «الصفقة التاريخية» في الكواليس، وفريقه مغمور يضمّ مجموعة من ديبلوماسيي وزارة الخارجية، وخبراء من وزارة التجارة، ومسؤولي المخابرات وجهاز الأمن القومي، إضافة الى مديري بعض مؤسسات الدراسات الإستراتيجية التي تعنى بشؤون الشرق الأوسط وما يسمّى بملف النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تحديداً.

أمّا في الشكل والمضمون، فقد بات واضحاً من عنوان المؤتمر «الرخاء من أجل السلام» أنّه سيكون مؤتمراً لـ»المصالحة التاريخية» أو بداية الطريق اليها، كما يراها الأميركيون بين اسرائيل والفلسطينيين من جهة، وبين إسرائيل وبعض الدول العربية والخليجية من جهة أخرى، التي خطى بعضها خطوات متقدمة نحو بناء علاقات علنية معها بأشكالها المختلفة التجارية والرياضية والسياسية.

أما في المضمون فإن الدعوة الى «عملية سلام ورخاء اقتصادي» فرضت العودة الى مؤتمرات ودراسات بحثت في هذه العناوين منذ سنوات خلت، فما بين العامين 2000 و2005 عُقدت سلسلة منها في واشنطن وعواصم أخرى تحت عناوين شتى اقتربت من العنوان المختار للمؤتمر. وتمّ ربط بعض نتائجها بالتعهدات التي صيغت في «اتفاق أوسلو» عام 1993، الذي وُقِّع ثمرة لأعمال «مؤتمر مدريد» للسلام بين الفلسطينيين واسرائيل.

وما لا يُنسى، أنّ اتفاقات أوسلو هي التي حكمت ولادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وعودة الرئيس الفلسطيني المؤسس الراحل ياسر عرفات الى رام الله. وهذه الاتفاقات قضت أن يكون لها تتمة في المجالات الإنمائية والاقتصادية ولكنها لم تكتمل، ومن بينها ما وضع من دراسات لتنفيذ عدد من المشاريع الاستثمارية الدولية الكبرى التي تنعش الاقتصاد وتعزّز قدرات الشعب الفلسطيني، من دون المسّ بمقومات اقتصاد إسرائيل، وليس على حساب أيّ من مصالحها الحيوية والقومية وحدودها الجغرافية، مع الأخذ في الاعتبار «المخاوف الديموغرافية» التي عبّرت عنها إسرائيل، وتلك المتصلة بـ «المندرجات الجيوسياسية» وحدود الدولتين. 

ثمّة من يعتقد أنّ كل هذه العناصر ستبقى حاضرة للنقاش في المؤتمر، إذا أحيا الأميركيون موافقتهم على حلّ الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية بالصيغة الجديدة التي تتحدث عنها «صفقة القرن». فبعض ما تسرّب من مقومات الدولة الفلسطينية يتحدّث عن دولة خارج ما يسمّى حدود أراضي الـ 67، التي تتمسّك بها اسرائيل وتسعى الى إنهاء وضعها الملتبس، واعتبارها أراضي «اسرائيلية خالصة» تخضع لسيادتها الكاملة، ومنع حصول العرب من سكانها على أيّ هوية منفصلة عن الهوية الإسرائيلية. وكان ذلك قبل أن تضيف اليها اسرائيل ما ضمّته من أراضي القدس الشرقية، ونقل العاصمة السياسية من تل أبيب اليها. عدا عن مصادرة أراضي من قلب الضفة الغربية بقوة الاستيطان، من دون الاعتراف الأميركي الذي نالته أخيراً بسيادتها على الجولان السوري المحتل.

وفي مقابل ما ستتضمنه الصفقة من معطيات لمصلحة الدولة اليهودية ومطالبها غير القابلة للنقاش، فإن صحّت بعض السيناريوهات المتداولة، فإن من الواجب التنبه الى جوانب أخرى منها. ففيها ما يدعو الى كثير من اليقظة، قياساً على المخاطر المحتملة على لبنان والمنطقة، ومنها المخاوف الناجمة عن إمكان إيقاظ خطط سابقة تتناول الربط بين عودة البعض من اللاجئين الفلسطينيين، تطبيقًا للقرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في مقابل استعادة «المواطنين اليهود» الذين لجأوا الى فلسطين المحتلة تعويضات مقابل ما تنازلوا عنه من ممتلكات صودرت، أو تخلَّوا عنها منذ سنوات في الدول التي غادروها. فقد كانوا من سكان دول عدّة عربية وأفريقية سبق لهم أن غادروها بعمليات سرّية منظمة الى «أرض الميعاد» أو تلك التي جرت طوعياً عبر «دولة ثالثة».

وتقول مراجع عليمة، إنّ بيت القصيد يكمن في ما يمكن أن يؤدّي اليه مؤتمر «المنامة». فإن صحّت المعادلة بالربط بين حقّ الفلسطينيين بالعودة وضمان حقوق اليهود باسترجاع قيمة ممتلكاتهم، هناك حديث عن إمكانية إعادة عشرات الألوف من الفلسطينيين الى الدولة الجديدة متى نشأت، وأنّ الأولوية تكون لمن يعيشون في المخيمات على الأراضي اللبنانية.

والى أن تتضح كل هذه المحطات المتوقعة، وما يمكن تنفيذه منها او عدمه، يؤكّد العارفون ببعض هذه الدراسات، والذين يواكبون التحضيرات للمؤتمر أنّ على لبنان أن يواكب ما هو مرتقب من خطوات بكثير من الحذر والقلق، لفهم واستيعاب ما يجري تحضيره له وللمنطقة من الجوانب التي يمكن تصنيفها بين الإيجابي والسلبي. والى حينه سيبقى هناك سؤال وجيه مطروح بقوة ومن دون أيّ جواب، وهو: ما هي حصة لبنان وفلسطينيي ويهود الشتات من مؤتمر المنامة؟