كانت جريدة السفير فلسطنية الخبر والتحليل، وفتحاوية التمويل ،ومعبرّة عن الهويات الوطنية المتشعبة والموضوعة داخل إطار الحركة الوطنية، وقد جمع صاحبها ورئيس تحريرها بين تقيضي القومية والماركسية في صوت صحيفة من لا أصوات لهم.
مع أثناء الاحتراب الفاتك بين سوريا الأسد ومقاومة عرفات ، مالت " السفير" إلى الأحزاب العرفاتية ضد الحركة الأسدية، وكانت مجانبة دوراً ووظيفة إلى جانب البندقية المدافعة عن الدور الفلسطيني في لبنان في مواجهة الدور السوري.
مع اجتياح إسرائيل للبنان ، وقفت السفير إلى جانب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كموجات ارتدادية لعدوان إسرائيلي سهل لم تعترضه الشوائك الحزبية المزروعة منذ السماح للفلسطيني بحمل السلاح وقيام الحرب الأهلية، وبعد أن جرف الاحتلال المقاومة الفلسطينية وربائبها من الأحزاب الوطنية ،ذهبت السفير بالاتجاه السوري ، وأصبحت لسان حركة أمل، وعلى جبهتيَ الداخل ،وضدّ الاحتلال وعملائه.
مع انسحاب اسرائيل حسمت السفير أمرها سورياً ،وأصبحت ملازمة للحركة الأملوية بكل كبيرة وصغيرة ، ولم تتواءم مع حزب المقاومة الناشئ ،ونابذة "لظلامية "شيعية ،ولم تستسغ فواعل حزب الله الجهادية ،لذا بقيت السفير على مسافة بعيدة من الضوء الجهادي للمقاومة الإسلامية، والتزمت حيّز أحزاب سوريا في لبنان.
لعبت السفير دوراً فاعلاً في تغطيتها لأحداث أمل - حزب الله ، والخلاف الايراني – السوري، بما ينسجم مع عداوتها للمقاومة الإسلامية ،ولبعدها الايراني الفارسي، استناداً منها على رؤية قومية مصطدمة بجهوية قومية مخالفة للقومية العربية، وبعد أن أصبحت الشراكة السورية -الايرانية ضرورة لبنانية، دخلت المقاومة الإسلامية وبالخط العريض الصفحات الأولى للصحيفة السورية.
عندما تخلى الرئيس رفيق الحريري عن لعبة المال والتجارة ،وأراد الدخول إلى النادي الحكومي ، هبّت السفير لاستقبال البرجوازية الوافدة ،ولملاقاتها كفتح سياسي وإقتصادي يعيد لبنان إلى اخضراره الأوّل، وكان الرئيس الشهيد كريماً مع السفير الى حدّ استاءت منه الصحف الأخرى ممن شملتها نعمة الحريرية السياسية.
مع خروج سوريا من لبنان، وضعت السفير بيضها في السلّة الإيرانية ،وأمست موادها المحلية وآراؤها وقضاياها المنتقاة بأقلام التابعين مساهمات في التأييد للمشروع الايراني ،ومستلزماته، بحيث أن بعض الايرانيين قد أطلق على جريدة السفير "كيهان" لبنان تعبيراً عن مضمونها المطابق لجريدة كيهان العربية الصادرة والناطقة باسم الجمهورية الإسلامية الايرانية .ومع الأزمة السورية ،حاولت السفير الميل كل الميل إلى الثورات العربية ،ولكن حسابات المال كانت أقوى من الشعارات الناصرية فعادت الى الحضانة الإيرانية في محاباة للنظام السوري ومجابهة للمعارضة السورية.
هذه المحطّات السريعة لصحيفة تتّبع الشيء ونقيضه . فمن عرفات إلى الأسد ،ومن العلمنة، إلى الاسلاموية، ومن القومية العربية ،إلى الإسلامية الفارسية ،ومن الوطنية ،إلى الطائفية ،ومن التمويل الليبي والعراقي والسعودي ،إلى الإيراني.
ربما دواعي الاستمرار تفرض على المؤسسات اتباع سياسات الضرورات كما هو حال الأحزاب في لبنان، وهذا ديدن وباع له تبريرات كثيرة ،ولكن الأدَهى والأمرّ هو في ممارسة التجارة السياسية ،والادّعاء بالنزاهة الاعلامية والسياسية.