بعد أكثر من عقد ونصف العقد على منهجية التدمير الإيراني للعراق صارت جلية وواضحة المخاطر التي يحملها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني مع كل حضور شخصي له إلى العراق.
 

منذ وقت مبكر بعد الاحتلال الأميركي للعراق أعلن أحد زعماء الميليشيات الإيرانية الولاء المطلق لولاية الفقيه، عندما أجاب على سؤال يفترض أن حربا ستقع بين إيران والعراق، فمع من سيقاتل؟ قال دون تردد إنه سيقاتل مع إيران ضد العراق رغم أنه “عراقي”.

هذا يسهل للجميع الرد على عطاشى السلطة ونأيهم بالعراق عن الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية ونظام ملالي طهران، رغم أنهم وفي مناسبات عدة صرحوا بتقديم ولائهم للطائفة وللولي الفقيه على ولائهم لوطنهم الأم.

عمليا، هم قاتلوا في حرب الثماني سنوات إلى جانب إيران وأطلقوا النار من خارج الحدود على جيش العراق، ونفذوا أول العمليات الإرهابية الانتحارية في الداخل مستهدفين المؤسسات والوزارات، وكذلك هم أول من زرعوا العبوات الناسفة في الشوارع وفخخوا السيارات وأطلقوا صواريخ الكاتيوشا من مناطق غير مأهولة في محيط العاصمة، بل إنهم فعلوا ما هو أكثر من ذلك عندما بذروا أولا بذرات الفتنة الطائفية استعدادا منهم لموسم حصادها بعد استلامهم للسلطة وتخادمهم مع إرادة الاحتلال الأميركي التي وضعت يدها مسبقا على مفاتيح المشروع الطائفي الإيراني في المنطقة، مستغلة هوس وضراوة جوع الأحزاب والمنظمات والميليشيات الإسلامية الإيرانية لاستلام مقاليد الحكم وتنفيذ برامج الانتقام من عروبة شعب العراق ووحدته، بما أدت إليه من تجرع الخميني للسم وسقوط حلم الولاية وحرسها الثوري باحتلال العراق.

بعد أكثر من عقد ونصف العقد على منهجية التدمير الإيراني للعراق صارت جلية وواضحة المخاطر التي يحملها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني مع كل حضور شخصي له إلى العراق، رغم أن السفير الإيراني بكامل صلاحيات الولاية، إلا أن في طيات زيارات سليماني توصيل للأوامر الخاصة والمداخلات تحت بند الطوارئ سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد أو الأمن، بمعنى أن الجنرال الإيراني يخوض طولا وعرضا في تقرير مصير العراق منذ الاحتلال، فما بالنا عن دوره في مرحلة الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وتصعيد العقوبات الاقتصادية وتشديدها بتصفير صادرات النفط.

خلية الأزمة تقتصر على غرفة العمليات المشتركة لميليشيات الحرس الثوري، التي تتدبر شؤون وشجون المواجهة مع الولايات المتحدة على أرض العراق وكيفية تنفيذ ما تقرره ولاية المرشد بعيدا عما تقرره معروضات الدبلوماسية للرئاسات الثلاث من حماية المصالح الأميركية وتأمين مبنى السفارة ومقولات النأي بالعراق عن تداعيات الصراع في المنطقة.

لم يمض أسبوع فقط على إطلاق صافرات الإنذار لفحص كفاءة المنظومة الأمنية في السفارة الأميركية ببغداد، وما أثارته من انتقادات لجنة الأمن والدفاع النيابية لعدم ثقة السفارة بالتطمينات الصادرة من أعلى مصادر السلطة في العراق، حتى جاء إطلاق صاروخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء ليؤكد تفوق دولة الميليشيات على مقومات الدولة الرسمية.

السفير الأميركي الجديد في بغداد، ماثيو تيولر، حذر من أن العراق سيتحول حطبا لنيران الحرب المستعرة بين واشنطن وطهران، في وقت قررت فيه شركة “إيكسون موبيل” إجلاء 60 من منتسبيها في حقل غرب القرنة النفطي، بما أثار حفيظة المعنيين الذين توجسوا من أن يكون هذا التصرف إشارة أميركية إلى باقي الشركات من روسيا وإيطاليا وبريطانيا لتحذو حذوها ترقباً لما ستسفر عنه الاستحضارات العسكرية الأميركية وما يقابلها من تهديدات إيرانية تدفع إلى أن يكون العراق مسرحا لها.

أطلقت الميليشيات طيلة سنوات الاحتلال حسب مزاجها صواريخ الكاتيوشا الإيرانية على المنطقة الخضراء حيث تقبع أكبر سفارة أميركية في العالم، ورغم التجهيزات اللوجستية لقوات الأمن في العراق لكنها مع ذلك فشلت أو تراخت في إلقاء القبض، ولو لمرة واحدة، على منفذي العمليات.

يتنقل العراق من مفاجأة إلى أخرى ومن كابوس إلى آخر، فبعد كوارث الحرب الأهلية والإرهاب وتدمير حواضر المدن العربية لأسباب ودواع مختلفة مع ما رافقها من غنائم الأحزاب وفسادها المالي والإنساني، يجرب العراقيون مأساة انتحار إنسان بلاد الرافدين ونفوق الأسماك المباغت وجفاف الأنهار وتلوثها ورحيل المحاصيل الزراعية الشهيرة نتيجة التخريب المتعمد الذي يصب في خدمة الاقتصاد الإيراني.

النظام الإيراني بدأ بإشعال الحرائق في العراق لتشتيت الأزمة بين طرفي الصراع، وذلك ما خرجت به غرفة العمليات المشتركة لميليشيات الحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني أثناء زيارته الأخيرة التي أُريدَ لها أن تكون سرية.

حرائق حقول محصولي الحنطة والشعير في المحافظات المنكوبة بالإرهاب مع بداية موسم الحصاد وبالطريقة التي جرت بها وبامتداداتها وتعدديتها وفوارق المسافات ما بينها، تدلل على أن الحرب الأميركية – الإيرانية حطبها سيكون العراق، كما قال السفير الأميركي.

فالشواهد يمكن ملاحقتها في القنوات الإعلامية التابعة للأحزاب والميليشيات الإيرانية التي تقلل من أرقام الخسائر وتستخف بها أو تتناقض في إلقاء التهم ثم نفيها تارة على تنظيم داعش أو التناحر بين مافيات الفساد أو الاحتباس الحراري أو جهل المزارعين، رغم أن القاعدة وداعش وغيرهما كانت دائما في خدمة الإرهاب الإيراني الذي أكدت عليه مقولة قائد الحرس الثوري حسين سلامي “أميركا ستنهار بضربة واحدة كبرجي التجارة”. ذلك الانهيار الذي أسفر من بين ما أسفر عنه احتلال العراق.