الميليشيات الموالية لإيران لن ترضخ لتفاهمات داخلية بشأن النأي بالنفس والتزام الحياد.
 
 أقرت القوى السياسية العراقية، بحضور زعماء أبرز الميليشيات المسلحة، “مبادئ عامة” تمهيدا لتوقيع ميثاق شرف يلزم بالحياد إزاء الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة، في وقت يرشّح فيه رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي العراق للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، وهو دور قد لا يتحقق في بلد أغلب الفاعلين فيه مرتبطون ارتباطا وثيقا بإيران.
 
واستضاف الرئيس العراقي برهم صالح في مقر إقامته ببغداد، على مدى الليالي الرمضانية الثلاث الأخيرة، سلسلة اجتماعات ليست معلنة شارك فيها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وكبار المسؤولين والقادة السياسيين وزعماء الكتل ورؤساء الأحزاب وقيادات في ميليشيات مسلحة وموظفون بدرجات رفيعة، لبحث إمكانية تجنيب العراق تداعيات أي صدام مسلح بين الولايات المتحدة وإيران.
 
وحضر الاجتماع حلفاء بارزون لإيران، يقودون فصائل مسلحة يتوقع انخراطها في النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، مثل أبومهدي المهندس وقيس الخزعلي وهادي العامري، وآخرين.
 
وقالت مصادر رفيعة في رئاسة الجمهورية لـ”العرب”، إن “الاجتماعات المسائية الثلاثة، شهدت عرض مبادئ عامة تقود إلى توقيع ميثاق شرف بين القوى العراقية ينصّ على عدم الانخراط في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران”.
 
ومع أن قيادات سياسية عراقية في بغداد تقر وهي تتحدث لـ”العرب” بـ”استحالة إلزام قادة الميليشيات بأي مواثيق شرف، في إطار الصراع الأميركي الإيراني”، إلا أن “رئيسي الحكومة والجمهورية ملتزمان بالعمل على تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين حتى آخر لحظة، تجنبا لحرب قد تندلع على أرض العراق”.
 
لكن اللافت أن الرئيس العراقي تجنب الإعلان عن استضافة هذه الاجتماعات في مقره من الأساس، فضلا عن التعليق على مضمونها أو حضورها.
 
وأكدت المصادر أن “طاولة المشاورات ستبقى مفتوحة في مكتب الرئيس العراقي، لمناقشة أي تطورات”.

وتقول إن هذا الحراك الداخلي يقترن بحراك خارجي، تمثله زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى كل من الكويت وقطر، في إطار استكمال جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران.

وأفضل ما تطمح إليه الجهود العراقية الداخلية هو إقناع زعماء الميليشيات بعدم التبرع نيابة عن إيران لضرب المصالح الأميركية في العراق، ما قد يعرض البلاد إلى عقوبات أو توريطها في الحرب، لكن مراكز القوى الرسمية في بغداد لا يمكنها، وفقا للمصادر، أن “تملي” على زعماء الفصائل المسلحة ما عليهم فعله، ولكنها “تطلب” منهم ذلك.

وتقول المصادر إن “رئيس الحكومة العراقية يعرف أن هناك العديد من الفصائل العراقية المستعدة لتنفيذ هجمات على مصالح الولايات المتحدة في حال تلقت الإشارة من إيران”، على غرار الصاروخ الذي سقط على المنطقة الخضراء قرب السفارة الأميركية، الأحد الماضي.

وعلى المستوى الخارجي، يسعى رئيس الوزراء العراقي لتكريس جهود الوساطة الدولية بإشراك دول أخرى فيها على غرار الكويت وقطر، فيما يستبعد مراقبون أن يحظى هذا النوع من الحراك باهتمام الأطراف المتنازعة.

وقال عادل عبدالمهدي خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، الثلاثاء، إن العراق “سيرسل قريبا جدا وفودا إلى طهران وواشنطن من أجل دفع الأمور إلى التهدئة لما فيه مصلحة العراق وشعبه أولا والمنطقة بشكل عام”.

وأضاف رئيس الوزراء العراقي أن هناك رسائل عراقية للطرفين بضرورة التهدئة و”عدم فسح المجال لأطراف أخرى لتأجيج الموقف والسير نحو الحرب”، مؤكدا على عدم وجود أي طرف عراقي مشترك بالعملية السياسية يريد دفع الأمور نحو الحرب.

وشدد على أن العراق ليس مخيرا في مسألة النأي بالنفس، “ولا نسمح بأن تكون أرض العراق ساحة حرب أو منطلقا لها ضد أي دولة”.

وقلل مراقبون من دور يمكن أن تلعبه بغداد في مثل هذه الوساطة خاصة أن أطرافا في الإدارة الأميركية تعتقد أن العراق هو جزء من المشكلة الإيرانية، ولا يمكن أن يكون طرفا فيها، ما يضع جهوده للوساطة في موضع شك.

لكن بغداد ملزمة بالبحث عن مخرج لـ”تخفيف حدة العاصفة، في حال اندلعت”، بالنظر لحساسية وضعها السياسي، وشراكتها الوثيقة مع طرفين يمكن أن يخوضا حربا في أي لحظة.

ومن المجدي الاعتراف بأن بغداد تبحث عن مخرج لها من الأزمة بدلا من القول إنها تسعى للعب دور الوسيط بين طرفين يتحكمان بمواقفها السياسية.

ويرى مراقب سياسي عراقي أن التجاذب بين الولايات والمتحدة وإيران هو أساس الأزمة التي لا تملك الحكومة العراقية رؤية واضحة للخروج منها، فلا أحد في تلك الحكومة يمكنه الزعم بإمكانية أن تتخذ الميليشيات موقفا محايدا من الصراع من أجل تجنيب العراق تداعيات الحرب إن وقعت.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن الميليشيات تعتبر تلك الحرب حربها وهي لا تنظر إليها باعتبارها حدثا خارجيا، أما الحكومة العراقية فإنها حين تتحدث عن موقف النأي بالنفس فإنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تخفي قلقها من أن تقوم الميليشيات بما يُحرجها وهو ما لا تستطيع مجابهته ذلك لأنها أضعف من أن تدخل في صراع مع الميليشيات.

ويبدو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في العراق كما لو أنهما حُشرا في زاوية لا ينقذهما منها سوى الحديث عن وساطة وهمية، ذلك ما يدركه الطرفان المتصارعان، لذلك لم ينفيا ولم يثبتا ذلك الخبر مثلما فعلا مع الوساطة العمانية.

ويؤكد المراقب أن الحكومة العراقية من خلال حديثها عن تلك الوساطة إنما تهرب إلى الأمام من أجل تجنب مواجهة السؤال الذي يتعلق بمصيرها فيما إذا قامت الحرب، مشددا على أنه من المؤكد أن تقوم الميليشيات بالانقلاب على الحكومة وجر العراق إلى القتال إلى جانب إيران.