لا يملك أحد الى الآن جواباً حول سبب وتوقيت إقدام رئيس مجلس النواب نبيه بري على طرح تعديل قانون الانتخاب، او تبعاً لصيغة القانون، طرح تجديد القانون، فمن أنف فارس سعيد الذي اشتمّ خلفيات لطرح القانون تتعدى الحسابات الداخلية الى حسابات انقلاب موازين القوى بين إيران وخصومها في المنطقة، ما أملى على الثنائي الشيعي استباق التطورات بمحاولة فرض قانون الضمان وقانون الأكثرية الضامنة تحسباً للآتي، الى تحليل اكثر تواضعاً يضع خطوة رئيس المجلس في خانة مناكفة الوزير جبران باسيل الذي يناكف بري والرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مجتمعين، الى وضع الخطوة في إطارها الطبيعي الواقعي الذي يقول إنّ بري يعرف أنه إذا كان لا بد من تعديل هذا القانون، فلا بد من طرحه الآن ولو في عز انشغالات الموازنة وهمومها، لكي لا يصل القانون الحالي الى الربع الأخير فيصبح الخيار الوحيد، وتجرى الانتخابات على اساسه، ويتمّ التجديد للقوى الحالية بقوة الصوت التفضيلي وقوة تقسيم الدوائر.
 

لا يريد أحد من القوى السياسية سواء التي في موقع التحالف أو الخصومة أو الصداقة، أن يقول لا مبكرة لبري، خصوصاً انّ رئيس المجلس حرص على اتّباع الأصول السياسية في تشكيله وفداً من نواب كتلته لعرض القانون والتشاور مع القوى السياسية كافة، لكنّ ردود الفعل الاولية، خصوصاً على الصعيد المسيحي، لا تشي بالحماسة، لا بل إنها تخفي ملاحظات رفضية وهواجس، متصلة بالتوقيت والمضمون، وبالنتائج المحتملة لهذا القانون.

تنتظر «القوات اللبنانية» زيارة وفد بري ولا تريد استباق إعطاء موقف من القانون، لكن ما سُرِّب عن هذا القانون يجعل «القوات» تبدي الحذر خصوصاً في ما يتعلق بالدائرة الواحدة، وبإلغاء الصوت التفضيلي، اللذين كانا أحد انجازات القانون الحالي. ترى «القوات» انّ عدم المَسّ بميثاقية مجلس النواب وبالمناصفة شبه الفعلية، وبتحسّن التمثيل المسيحي الذي أنتجه القانون الحالي، كلها امور يجب التمسك بها، فأهمية قانون الانتخاب تكمن في إشعار الطوائف بالاطمئنان الى حسن تمثيلها، كذلك تكمن في منع تكرار ظاهرة المحادل في الدائرة الكبيرة، وتعتبر انّ تقسيم الدوائر والصوت التفضيلي هما أحد ضمانات التمثيل الصحيح، ولهذا فهي تتمسك بالقانون الحالي، الّا اذا طرحت تعديلات تعزز الأهداف التي تتمسك بها.

اما عن حزب الكتائب فقد أبلغ رئيسه سامي الجميّل الى وفد بري ملاحظات عملية حول القانون منها ما يتعلق بصعوبة تقريشه، على المناطق والطوائف والمذاهب، ما يجعل من صيغته معقّدةً للناخب، وشدّد الجميّل على انّ للكتائب مشروعها الانتخابي المتمثل بالدائرة الفردية مع اعتماد الآليات القانونية التي تسهّل على المواطن فهم القانون والمشاركة في الانتخاب، وقد سجّل الوفد الملاحظات على أن يعود الى حوار لاحق مع الكتائب.

أما موقف «التيار الوطني الحر» فقد أشارت مصادره الى أنّ أيَّ قانون يسمح بتصويت الناخب لمرشح من خارج دائرته الانتخابية، مع إمكان القبول باختيار لائحة في دوائر صغرى عدة، أما عن الصوت التفضيلي فيرفض التيار ايضاً، اعتماده خارج الدائرة الصغرى، حتى لو كان للناخب الحق بأكثر من صوت تفضيلي.

يمكن الجزم انّ قانون بري يُبحر في حقل ألغام مسيحي، سببه «فوبيا» صحة التمثيل، والخوف من طغيان الاكثرية، والتحسّس على كل ما يمكن أن يهدّد رؤساء الاحزاب والكتل، ولن يتلقى بري رفضاً واضحاً لقانونه، لكن مجمل هذه القوى تتحفظ بالعمق عمّا قد يؤدي اليه من نتائج، وهي تلعب مع مَن طرح مشروع القانون المبكر لعبة النفس الطويل، لكن عندما يحين أوان النقاش الجدي، فهي لن تسير بالقانون في صيغته الاساسية.