رئيس الحكومة ما زال متفائلاً بإنجاز موازنة تستجيب لمتطلبات المجتمع الدولي من جهة، ولحاجة الدولة الى الاصلاح الحقيقي الذي يؤدي الى خفض العجز المتفاقم من دون المس برواتب موظفي القطاع العام من ذوي الدخل المحدود والمتوسط من جهة ثانية. ويأمل في ذات الوقت ان ينتهي النقاش الدائر في مجلس الوزراء منذ اكثر من ثلاثة اسابيع الى ذات النتائج التي يتوخاها من الموازنة وتحال الى المجلس النيابي لمناقشتها وتعديل ما يراه ضرورياً ويؤدي الى نفس الغاية التي يتوخاها رئيس الحكومة. إلا ان كل ما سرّب عن هذه المناقشات لا يدل على وجود اي تقارب بين الوزراء لتحقيق هذه الغاية، بقدر ما يؤكد على عدم وجود رؤية موحدة بينهم، في نفس المنحى الذي يسعى رئيس الحكومة وفريقه اليه، ما من شأنه ان يبدد تفاؤله في وضع موازنة تقشفية من ضمن الخطة الخماسية التي اعلن انه متمسك بها بقدر الحاجة اليها، للحصول على المساعدات والهيئات الدولية التي اقرها مؤتمر «سيدر» الذي انعقد قبل حوالى الستة اشهر وما زال المانحون ينتظرون من الحكومة اللبنانية تحقيق الاصلاحات اللازمة في بنية الموازنة لكي يفرجوا عنها.

ما سرّب حتى الآن عن مشروع الموازنة العامة، لا يطمئن لأنه يرتكز في خفض الانفاق على تخفيض رواتب موظفي القطاع العام من ذوي الدخل المحدود ولا يقترب من المصادر الاخرى القابضة على المال العام كالتهرّب الضريبي على سبيل المثال او الاملاك العامة المؤجرة والمسروقة بوضع يد المتنفذين عليها او عائدات المرافئ التي تذهب الى جيوب هؤلاء وازلامهم وما الى ذلك من اهدار للمال العام بشكل مرفوض حتى من المجتمع الدولي نفسه.

وعلى افتراض ان مجلس الوزراء تجاوز هذا الانقسام الحاصل بين اعضائه حول الرؤية الصحيحة حتى لا نقول الخطة الصحيحة لمقاربة هذا الواقع، فإن الانقسام سوف ينتقل الى داخل مجلس النواب بوصفه صورة موسعة عن مجلس الوزراء، وعندها سيطول النقاش داخله ربما اكثر مما طال في مجلس الوزراء، ومعه تكون الدولة قد خسرت الدعم الذي تنتظره من المجتمع الدولي وتعلق على انفاقه في مشاريع داخلية أمل الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه بسبب اغفال الحكومات السابقة المتعاقبة تدارك الوضع قبل استفحاله ووصوله الى ما وصل اليه في العهد القوي وحكومة «الى العمل»، وبالرغم من هذه الصورة المعتمة التي تخيّم على الجو العام، وعلى جلسات مجلس الوزراء ما زالت هناك بارقة امل في ان يخرج لبنان من هذه المحنة، بأقل ما امكن من الاضرار، الا اذا كان هناك من لا يريد ذلك، لاعتبارات لا مجال لشرحها في هذه العجالة.