النظام الذي ارتكب جميع الموبقات بحق جيرانه، والمُصرّ على مواصلة نهجه العدواني، حتى وهو محاصر... لم يترك في قلب أحدٍ من مواطني دولِ جوارِه، خاصةً، ومواطني دولِ غيرِ جواره، عامةً، رحمةً ورأفة.
 

لو كان المستهدف بالعقوبات المشددة الخانقة الأميركية، والحشود العسكرية الطاحنة، والتصريحات والتهديدات العلنية والمبطنة التي يطلقها الرئيس الأميركي وكبار أعضاء إدارته المعروفون بأنهم صقور، أي دولة أخرى شقيقة أو صديقة غير إيران الخميني ووريثه الملا علي خامنئي وحرسه الثوري وميليشياته العراقية واللبنانية واليمنية والسورية والفلسطينية، لرأيت حكومات الدول العربية وشعوبَها، كافةً، تنتفض غضبا على أميركا وعقوباتها وإهاناتها، حتى لو تعرّضت لغضبها وانتقامها، ولوجدتَ شوارع الوطن العربي الكبير وساحاته، من المحيط إلى الخليج، تضيق بالجماهير المناصرة لإيران الجارة العزيزة، حكومة وشعبا، والمطالبة بغلق قواعد ترامب في بلادها، وطرد سفرائه وقناصله وجيوشه، وعلى الفور.

ولكنْ لأن تلك العقوبات والحشود والتهديدات والضغوط موجهة ضد نظام المرشد الأعلى، فمن تحصيل الحاصل أن تكون المواقف الحكومية والشعبية العربية، في أغلبها، إما نأيا بالنفس وعدم مبالاة، وإما فرحا دفينا غير معلن، أو تأييدا وتعضيدا، وأحيانا مشاركةً عسكرية ومالية، علنا وعلى الملأ، وبلا خوف ولا حياء. والسبب هو أن هذا النظام الذي ارتكب جميع الموبقات بحق جيرانه، والمُصرّ على مواصلة نهجه العدواني، حتى وهو محاصر ومختنق ومهدد بالغزو الخارجي وبالثورة الداخلية، لم يترك في قلب أحدٍ من مواطني دولِ جوارِه، خاصةً، ومواطني دولِ غيرِ جواره، عامةً، رحمةً ورأفة.

وهنا لا بد من الاعتراف بهذه الحقيقة المؤلمة. فلا أدعى للأسف والحزن والانزعاج من أن نجد كثيرين من الفرس المسلمين، من قديم الزمان وإلى اليوم، يكنّون لإخوتهم العرب المسلمين عداوةً ضارية، ويحلمون بغزو العرب وإذلالهم، ثأرا لما فعله بملوكهم العربُ المسلمون الأوائل قبل قرون.

ومازال كثيرون منهم إلى اليوم يُسيِّرون التظاهرات ضد معاوية ويزيد، ويهتفون بخلافة الإمام علي والإمام الحسين، ويلعنون في حسينياتهم وإذاعاتهم وفضائياتهم الخلفاءَ الراشدين بدعوى حبّ الإمام علي وأبنائه وأحفاده المعصومين.

وللمرة الألف نكرر الأسف لأن هؤلاء المتخلّفين، على امتداد التاريخ الطويل، كانوا يقطعون ما بين الأمة العربية والأمة الفارسية من أواصر الأخوة والجيرة التي لا يستطيع ناكرٌ إنكارها.

والأكثر غرابة أن تلك الروح العدائية المتشددة لم تخف، ولم تتوقف، حتى عندما تولّى أمرهم رجالُ دين يُفترض فيهم أنهم مبرَّأون من الحقد والبغضاء، ومن التآمر والغدر والاعتداء، ومكلَّفون بنشر التوادّ والتراحم بين الناس، وأنهم، كما يزعمون، وكلاءُ إمامٍ غائب سيعود ليملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت جورا، وهم غير صادقين.

والذي أثبت أن بغضاءهم تلك عنصرية قومية، لا دينية ولا طائفية ولا مذهبية، هي أفعالهم. فهم في تنكيلهم وبطشهم وإعداماتهم وغزواتهم لم يفرّقوا بين عربيٍ من طائفة، وبين عربي من طائفة أخرى يدّعون بأنهم يجاهدون من أجل إنصافها وحمايتها وتعويضها عن مظلومية قرون.

وهاهم، منذ أن أقام الخميني دولته الفارسية المغلَّفة بالدين والطائفة، جعلوا غزو العراق واحتلاله، والانطلاق منه إلى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن ودول الخليج، أول أهدافهم التي لا يُخفونها، بل يجاهرون بها، ويتغنون بأمجادها، ويحلمون باستمرارها إلى أبد الآبدين.

وها نحن، بعد ألف وأربعمئة سنة، في القرن الحادي والعشرين، برغم كل ما ذاقه المسلمون، وغير المسلمين، هنا وفي بقاع الدنيا النائية، من مرارات تلك العداوة، لم يقتنع أحدٌ من دعاتها بأنها عداوة عنصرية عبثية خاسرة لا نصر فيها لأحد.

ومن نكد الدنيا أن نعيش إلى زمن نرى فيه واحدا بعمامة بيضاء كبيرة، وبلحية طويلة وكثيفة، يخرج علينا بفوقية متعالية مغرورة لا ليدعو المسلمين إلى حقن دماء أبنائهم وبناتهم، ولا إلى الكف عن أحلام استعمار بلاد الآخرين، بل آمرا جيشَه وحرسه الثوري وكلَّ شعبه، ومستنفرا أعوانَه الميليشياويين خونةَ بلادهم التي يحتلها ويسوم أهلها سوءَ العذاب، ويدعوهم إلى قتل كل من يرفض استعماره وظلمه وعدوانه، وكل من يتمسك بسيادة بلاده وأمنها وحريتها واستقلالها، ثم يسمي ذلك إسلاما وجهادا في سبيل الله.

ونسأل، ألم يكن هو الذي أمر بغزو العراق وتخريبه وإفلاسه وتهجير أهله بعد رحيل المحتلين الأميركان الذين كانوا حلفاءه وحلفاءَ وكلائه العراقيين؟ وألم يكن هو الذي نصر القاتل الفاسد الغر الذليل بشار الأسد على شعبه، فمزقت كتائب حرسه الثوري وعصاباته سوريا، وجعلتها شعوبا وقبائل متقاتلة، وصَّيرتها خرابة ينعق فيها البوم؟

وألم يُعطل حياة اللبنانيين، ويسلط عليهم حسن نصر الله بجنونه وهمجيته ودمويته وظلمه وعمالته التي فاقت جميع الحدود؟ وألم يحرق اليمن؟ وألم وألم وألم، ولا تنتهي السلسلة؟ فهل هناك تخلّف وقلّة عقل وعنصرية أكثر مما فعل، وما يفعل الولي الفقيه؟

ترى لو عاد الإمام علي بن أبي طالب إلى الحياة، ومعه الإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين وأحفادهم، وعادت معهم فاطمة الزهراء وزينب وأولادهما وأحفادهما، ورأوا ما فعله الخميني بالأمس، وما يفعله وريثه علي خامنئي اليوم بإخوته العراقيين والسوريين واليمنيين واللبنانيين والفلسطينيين وأهل الخليج العربي، باسمهم ومن أجلهم، فماذا كانوا سيفعلون؟

إن من المؤكد أنهم كانوا سيذرفون دموعا غزيرة على أمة جاهلة غارقة في الشر والتخلّف والحماقة، وما زال أبناؤها يتقاتلون مثلما كانوا يفعلون قبل المئات من السنين. وحين يسأل سائل، لماذا يفرح العرب اليوم بما يحيق بدولة الخميني من عواصف وزلازل وأعاصير، سيكون الرد، ببساطة، “إذا عُرف السبب بطل العجب”. أليس في هذا كفاية؟