موازنة خيبة الأمل ومن عقدة الى عقدة
 

أسبوع حاسم للموازنة التي ما زالت تنتظر البت ببعض البنود لاسيما موضوع التدبير رقم 3 المتروك للمجلس الاعلى للدفاع الذي سيلتئم برئاسة رئيس الجمهورية، وعليه يستبعد إنجاز المشروع في جلسة واحدة رغم النية الواضحة التي أظهرتها الحكومة بإقرار سريع لمشروع موازنة 2019 على أن يتم تحويلها إلى مجلس النواب وإقرارها قبل نهاية شهر أيار، إلا أن مسار المباحثات في مجلس الوزراء يعكس غير هذا التوجه. 

وتشير المعلومات إلى أن الأجواء الإيجابية التي كانت سائدة والتي كانت توحي بإحتمال اقرار الموازنة نهاية الأسبوع الماضي، قد تبددت، لا سيما بعد موقف الوزير جبران باسيل الذي جاء توقيت تقديمه اقتراحات جديدة للموازنة بعد 12 جلسة وزارية وبعدما كان النقاش قد تقدم في البنود المطروحة، خاصة وأن هذه الاقتراحات الجديدة جاءت مع موقف سلبي واعلان عدم سير وزراء تكتل لبنان القوي بالموازنة المطروحة كما هي.

وأمام هذا الواقع، وفي ظل هذه المماطلة، سيعمل وزير المال علي حسن خليل على إعداد تقريره وتقديمه إلى مجلس الوزراء على أن يقدم ارقاماً حول الوفر الذي تحقق من خلال البنود التي تم إقرارها حتى الساعة، ليبنى عليه ضرورة إتخاذ إصلاحات مالية جديدة إضافية من عدمها.

وبناء عليه، فإن الموازنة ستحتاج إلى جلسات وزارية جديدة للتوصل إلى صيغتها النهائية، وإحالتها إلى لجنة المال والموازنة التي ستكون أمام جلسات مكثفة لدراستها، استمعنا إلى رئيس الحكومة، وهو يتحدث بتفاؤل عن الموازنة العامة، ويبشّر اللبنانيين بأنها ستكون موازنة منتجة، والسؤال ما الذي قصده من كلمة منتجة، فهل كان يقصد بذلك التخفيضات التي ادخلت على التقديمات الاجتماعية التي هي حق بديهي للمواطنين أو على رواتب ذوي الدخل المحدود في بلد هو الأكثر غلاء في العالم، كما تجمع كل دراسات أهل الاختصاص؟

إقرأ أيضًا: لبنان في مرحلة إنتظار حتى إنقشاع الصورة الاقليمية!

وكأنه يغطي على فشـل حكومته الذريع في اجتراح الحلول الجذرية للعجز الفاضح في الموازنة بإقرار خطة إصلاحية متكاملة عنوانها الأساسي استعادة كل الأموال المنهوبة من الدولة ومكافحة الفساد الذي هو أساس المشكلة التي يتخبّط بها البلد منذ أن استولت الطبقة السياسية على السلطة، ووضعتها قي خدمة مصالحها السياسية على مدى أكثر من أربعة عقود بلا أي رادع كل ما سرّب حتي الساعة من المناقشات التي دارت في مجلس الوزراء بين ممثلي أرباب السلطة الفعليين لا يعكس ما وعد به رئيس الحكومة أبناء بيروت وكل أبناء لبنان بأن الموازنة ستكون منتجة بمعنى انها ستخفض العجز وتحفز الانتاجية، وتلبي كل احتياجات المواطن، وصولا الى العيش الكريم المحمي من دولته، إذ كيف لها أن تكون منتجة وقد ارتكزت في مجملها على تخفيض رواتب موظفي القطاع العام أو على اقتلاع بعض التقديمات الاجتماعية المعطاة لهم، وتجاهلت تماماً مزاريب الهدر والفساد التي تزيد من حجم العجز المالي، بقدر ما تجنبت الدخول في صلب الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع المزري اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وعلى كل المستويات، مما جعل المجتمع الدولي كلّه يحذر السلطة اللبنانية المسؤولة من مغبة استمرارها في السياسة العشوائية التي تعتمدها خلافاً لكل القواعد والاصول اللبنانيين بأكثريتهم الساحقة ما عدا القلة القليلة الذين يقبضون على كل المقررات بما فيها المال العام عاشوا ساعة بساعة جلسات درس الموازنة التي عقدها مجلس الوزراء على أمل منهم أن يتصدى هذا المجلس للمشكلات الأساسية التي أوصلتهم إلى حافة الهاوية، بل إلى الانهيار الكامل بوضع خطة شاملة تفي بالغرض المطلوب لتفادي هذا الانهيار أو بالاستجابة على الأقل لشروط ومتطلبات المجتمع الدولي الذي عبرت عنه الدول التي شاركت في مؤتمر سيدر وقررت مساعدة الدولة على تفادي السقوط، لكي ينتقل لبنان من بلد يعتمد على الاقتصاد الريعي، إلى بلد منتج يعتمد على الاقتصاد المنتج، غير أن أي من هذه الشروط لم يتحقق، وما حصل ويحصل داخل مجلس الوزراء من ترقيع من هنا وتشليح من هناك يزيد الطين بلة ويقربنا أكثر من الهاوية، خلافاً لما بشّر به رئيس الحكومة في افطار العائلات الإسلامية البيروتية ولم يعد ثمة شك عند أحد أن الموازنة بحلتها الاخيرة التي سيتوصل إليها مجلس الوزراء بعد سلسلة جلسات شهدت كل أنواع السجالات والاقتراحات والاقتراحات المضادة، ستشكل خيبة أمل كبيرة وستزيد من غليان الشارع بما لا تحمد عقباه، رغم الاعتقاد الراسخ عند أولئك الذين يمسكون بزمام الأمور ان الوضع ممسوك، وليس هناك ثمة خشية من انفلات الشارع المحكوم بالتركيبة الطائفية.