قاسم سليماني يجمع قادة ميليشيات ويأمرهم بالاستعداد لساعة الصفر.
 
لم يفلح خطاب التهدئة والتمويه في استبعاد المواجهة مع واشنطن، الذي عمل مسؤولون إيرانيون كبار على ترويجه، في التغطية على خطط إيران لتنفيذ عمليات انتقامية لإرباك أمن الملاحة الدولية عبر ميليشيات تابعة لها في العراق واليمن ولبنان وغزة.
 
وذكر تقرير بريطاني أن الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس″ في الحرس الثوري عقد اجتماعا في بغداد ضم الفصائل الحليفة في العراق إضافة إلى ممثلين عن حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ومجاميع سورية، وطالب قادتها بالاستعداد لخوض حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة، في وقت يحاول الإيرانيون توسيط أكثر من جهة لإقناع واشنطن بأن طهران لا تريد الحرب.
 
يأتي هذا في وقت تحشد الولايات المتحدة للحصول على تفهم دبلوماسي أوسع لأي عملية محدودة قد يتم الالتجاء إليها للرد على أنشطة إيران ووكلائها في المنطقة.
 

ونقلت صحيفة الغارديان عن مصادر استخبارية أن الاجتماع عرف حضور جميع قادة الميليشيات، التي تندرج تحت مظلة وحدات الحشد الشعبي في العراق، على خلاف العادة، فقد حث سليماني الميليشيات على التسلح، ما يكشف عن وجود خطة إيرانية لتحويل الأزمة مع واشنطن بشأن العقوبات إلى مواجهة عبر أدوات مختلفة، لكن في ما يبدو فإن العراق سيكون الملعب الرئيسي في حالة وقوع صدام.

ويمثل الاجتماع تهديدا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، كما يزيد من مخاوف تحول عقد من الصراعات بالوكالة إلى صدام مباشر بين واشنطن وطهران.

ورغم تصريحات أطلقتها فصائل من الحشد الشعبي، الخميس، ترفض فيها ما جاء في تقارير أميركية بشأن استعداد الميليشيات لاستهداف أهداف أميركية في العراق، فإن مواقف سابقة لنفس هذه الميليشيات، وبينها “عصائب أهل الحق” وحركة “النجباء” تكشف أنها تضع نفسها على ذمة إيران في أي مواجهة مع واشنطن.

ولم تخف حركة “عصائب أهل الحق”، التي يتزعمها قيس الخزعلي، أنها تضع العراق كواجهة إيرانية في أي صدام مستقبلي مع واشنطن.

وقال حسن سالم النائب في البرلمان العراقي عن الحركة إن “أي اعتداء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل أميركا هو اعتداء مباشر على الدول الإسلامية، بغض النظر عن مواقف بعض الدول العربية والإسلامية من إيران”.

وأضاف سالم أن “أميركا إذا ما حاولت الإقدام على إعلان الحرب على إيران فإنها ستقع في ورطة كبيرة وربما ستفقد هيمنتها على العالم كدولة عظمى”.

وسبق وأن ذكرت مصادر رفيعة لـ”العرب” أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قدم للعراقيين “تصورا معززا بالأدلة، عن خطط إيرانية يمكن تطبيقها في أي لحظة لتصعيد التوتر في المنطقة”، مشيرة إلى أن “بومبيو قدم للمسؤولين العراقيين أدلة استخبارية تشير إلى تخطيط مجموعة عراقية على صلة بإيران لتنفيذ عملية عسكرية ضد مجمع يضم قوات أميركية شمال بغداد، وآخر غربها”.

وشملت المعلومات الاستخبارية أيضا “خططا تتعلق بمهاجمة مبنى السفارة الأميركية في بغداد عبر صواريخ قصيرة المدى”.

ويسلط اجتماع بغداد بين سليماني وقادة ميليشيات حليفة الضوء على الأذرع الأخرى التي ترتهن بالولاء لإيران، خاصة في لبنان واليمن والأراضي الفلسطينية بعد أن أقدم الحوثيون في اليمن على تدشين أولى خطوات الحرب بالوكالة من خلال استهداف منشأة نفطية سعودية بطائرات مسيرة بصنع وتدريب إيرانيين.

ويمكن أن تلعب حركة الجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية دورا في خيار الحرب بالوكالة، خاصة بعد خروج لقاء سيلماني بأمين عام الحركة زياد نخالة في بيروت إلى العلن، ومساهمة الحركة بشكل رئيسي في موجة الصواريخ التي أطلقت على أراض إسرائيلية في الأسبوع الماضي.

وسبق أن اعتبر دونالد ترامب أن حركة “الجهاد الإسلامي” الممولة من إيران وحزب الله اللبناني مسؤولة جزئيا عن وابل من الصواريخ التي أطلقت من غزة على إسرائيل.

وفيما يلازم حزب الله الصمت حيال دوره في الحرب بالوكالة، فإن مراقبين يعتقدون أن الحزب سيكون رأس حربة في أي تصعيد إيراني، وأنها تراهن على الترسانة من الأسلحة التي يمتلكها، كورقة أساسية في إثناء واشنطن عن التصعيد لقناعة إيرانية بأن واشنطن تضع حماية أمن إسرائيل أولوية قبل أي مواجهة.

ويعيش الحزب تحت ضغوط كثيرة داخله، وداخل لبنان بسبب مخلفات التدخل في سوريا، والعقوبات المسلطة عليه من واشنطن وارتداداتها على النظام المصرفي في لبنان، ما يجعل دوره في أي مواجهة مستقبلية أقل من المأمول الإيراني.

ونقلت الغارديان عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن قافلة من الإمدادات العسكرية والصواريخ الإيرانية مرت عبر غرب العراق إلى سوريا ووصلت إلى العاصمة دمشق، وقد تخطت الرقابة الغربية وأجهزتها الاستخباراتية التي لم تعلم بمرورها إلا بعد وصولها إلى العاصمة السورية، وهو ما يؤكد أن إيران تسابق الوقت للاستعداد لأي مواجهة.

وتميل دوائر رسمية أميركية إلى أن إيران كانت أكبر مستفيد من الحرب على تنظيم داعش، فمن ناحية، أصبحت الميليشيات الحليفة لها في العراق ذات نفوذ كبير خاصة بعد إدماجها في المؤسسة العسكرية، ومن ناحية ثانية، فقد استفادت من هزيمة داعش في تحقيق ممر بري من طهران إلى دمشق يسهل لها نقل الأسلحة والمقاتلين بحرية تامة.

وتكتفي واشنطن إلى حد الآن برصد تحركات إيران والميليشيات الموالية لها، وهو ما يقرأه الإيرانيون على أنه حالة ارتباك أميركية شبيهة بارتباك البيت الأبيض في الملف السوري خلاف فترة رئاسة باراك أوباما. كما يفهم في طهران على أنه مؤشر على العجز.

ونقلت وكالة فارس للأنباء الجمعة عن محمد صالح جوكار نائب قائد الحرس الثوري الإيراني قوله إن الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى يمكنها الوصول إلى السفن الحربية الأميركية في الخليج، مضيفا أن الولايات المتحدة غير قادرة على تحمل حرب جديدة.

وأضاف “أميركا غير قادرة على تحمل تكاليف حرب جديدة وهي في وضع سيء من ناحية القوة العاملة والظروف الاجتماعية”.

وعلى نحو منفصل، اتهم مسؤول عسكري إيراني كبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالخداع وقال إن واشنطن تدعو إلى المحادثات بينما هي “تصوب مسدسا” إلى طهران، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة مهر للأنباء الجمعة.

وكان ترامب قد قال علنا إنه يريد نهجا دبلوماسيا مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والتحرك لوقف كل صادرات النفط الإيرانية هذا الشهر.

ونقلت وكالة مهر شبه الرسمية قول رسول سنائي راد نائب قائد القوات المسلحة للشؤون السياسية “ما يفعله زعماء أميركا من ممارسة الضغوط وفرض العقوبات… بينما هم يتكلمون عن محادثات هو بمثابة توجيه مسدس صوب شخص ودعوته إلى صداقة ومفاوضات”.

وتابع “سلوك زعماء أميركا لعبة سياسية تنطوي على تهديدات وضغوط وفي الوقت نفسه إظهار استعداد للتفاوض من أجل تقديم أنفسهم في صورة سلمية وخداع الرأي العام”.