سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومة تزيد توتُّر الشارع ولا تخفض العجز
 

كثيرون في المحافل الدولية يطرحون في السر والعلن سؤالاً بات يشغلهم من منطلق حرصهم على هذا البلد الذي كان يعتبر بالنسبة اليهم منارة هذا الشرق لما يتمتع به من ميزات غير موجودة في غيره من دول هذا الشرق، وابرزها التعددية والديمقراطية والحرية بكل انواعها ومشاربها وملخص السؤال هو لماذا يتعمد حكامه ومسؤولوه استعداء شعبه بحشره في الزاوية، حتى لا يبقى امامه اي مهرب او مفر من اعلان التمرد على هؤلاء الحاكمين كما هو الحال اليوم حيث يمعن هؤلاء المسؤولون في حشر شعبهم، من خلال الافراط في تضييق سبل العيش عليه، سواء على صعيد التقديمات الاجتماعية او على صعيد «تشليحه» بعض أو كل مكتسباته كما هو الحال مع موظفي القطاع العام والمصالح المستقلة ومع متقاعدي القوات المسلحة الذين سخروا حياتهم دفاعاً عن الوطن واستقلاله وسيادته.

هذه الحالة التي وصل اليها هذا الوطن بسبب السياسة المعتمدة من الحكومة العلية في الموازنة العامة لا تؤدي الا الى نتيجة واحدة، وهي توسيع الهوة بين السلطة والشعب الى درجة ينتفي فيها اي حل او تسوية ولا يبقى سوى لجوء الشعب الى التمرد على هذه السلطة مطالباً بإبعادها بالقوة او بالسلم عن إدارة دفة الحكم لانها بتصرفاتها الرعناء وغير المسؤولة اوصلت الامور الى الحالة التي وصلت اليها اليوم.

ومن المفارقات الغريبة العجيبة ان بعض هؤلاء الممسكين بالسلطة يدركون تمام الادراك هذا الامر، ويعترفون علناً بأن الثقة مفقودة بين الشعب المحكوم من هذه السلطة وبينها، وبالتالي فإن الوضع يحتاج الى تغيير اسلوب تعاطيها معه بما يؤدي ولو تدريجياً الى استعادة هذه الثقة، وخير شاهد على ذلك ما اعلنه رئيس البلاد في الافطار الرمضاني الذي اقامه امس الاول في القصر الجمهوري عن ضرورة العمل من اجل استعادة الثقة الضائعة ولكن كيف يمكن استعادتها، وهل يحصل ذلك بالاجراءات التعسفية التي يبالغ مجلس الوزراء في اتخاذها ضد هذا الشعب بحجة الحاجة الماسة الى اجراءات تقشفية موجعة لخفض العجز المالي في الموازنة، وهل المطلوب من الشعب المحروم من كل التقديمات الاجتماعية ان يضحي وحده، لانقاذ الدولة من الافلاس في الوقت الذي يرى ارباب السلطة ينهبون المال العام ويكدسونه في المصارف تحت اسماء وعناوين مختلفة ويمدون ايديهم الى جيب اصحاب الدخل المحدود الذين لا يملكون لمقاومة مصاعب الحياة، سوى هذا الراتب المحدود والقليل بالنسبة الى مداخيل الموظفين في العديد من الدول، اضافة الى الفوارق الكبيرة في التقديمات الاجتماعية..

قد يعتقد هؤلاء الارباب ان التركيبة الطائفية، التي اثرت او الغت المواطنة كفيلة بلجم الثورة التي يلوح بها الذين نزلوا الى الشارع احتجاجاً على ممارسات السلطة، لكنهم نسوا ان الجوع يجمع ويلغي كل الفوارق والحساسيات الطائفية والمذهبية والعرقية التي تعيق تمرده او تحد من اندفاعه نحو اطلاق ثورة شعبية عارمة في وجه كل الذين حرموه من لقمة عيشه او حالوا دون وضعه في المكان الذي يستحقه كإنسان وكمواطن له كل الحقوق على الدولة كما عليه واجبات.

في الجلسة الثانية عشرة لمجلس الوزراء ارتفع صوت أحد ارباب السلطة رافضاً السياسة التي اعتمدها مجلس الوزراء لتقليص حجم الدين العام وخفض العجز وصولاً الى تحقيق الاصلاح الحقيقي كون هذه السياسة استهدفت ذوي الدخل المحدود وتغاضت عن الذين نهبوا وما زالوا حتى الآن ينهبون المال العام، وبصرف النظر عن موقفك من هذا المسؤول فإنه برفضه لهذه السياسة كان على حق وكان يتوجب على الاكثرية داخل مجلس الوزراء الوقوف الى جانبه ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.