بين زيارتين للسفير الاميركي ديفيد ساترفيلد الى بيروت، كما زيارة وزير الخارجية بومبيو، كلام أميركي ثابت ولبناني رسمي متحوّل. الثابت الاميركي مبادرة لترسيم الحدود البرية والبحرية، والتأكيد على موقف لبنان بالنأي بالنفس، وعدم السماح لـ»حزب الله» ان يستعمل الدولة وقطاع المصارف للهروب من العقوبات. امّا المتحول اللبناني، فرفض أولي للترسيم بداعي الخوف من أن تأخذ اسرائيل ما لا يحق لها من المساحة البحرية، وبالتالي من فرص استخراج الغاز.
 

في الزيارة الاولى وصلت مبادرة ساترفيلد الى حائط لبناني مسدود، إذ رفض لبنان الرسمي المبادرة، واعتقد انه يمكن استبدال الوساطة الأميركية بأخرى روسية، وهذا ما حصل فعلاً اذ طلب لبنان وساطة روسيا لترسيم الحدود مع اسرائيل خلال زيارة وزير الخارجية جبران باسيل لموسكو وزيارة الرئيس ميشال عون ايضاً، لكنّ الموقف الروسي كان الاعتذار لأنّ هذا الملف بيَد الولايات المتحدة، وهي التي يمكن لها ان تقوم بوساطة بين لبنان واسرائيل، وليس اي طرف دولي آخر.

امام هذا الاعتذار، الذي يعني الشَلل النفطي بالنسبة للبنان في البلوكات الجنوبية، كما في سائر عملية استخراج الغاز، باعتبار أنّ لبنان لو استخرج الغاز فإنه لن يتمكن منفرداً من تصديره واستعماله اذا لم يكن شريكاً في مجموعة دول شرقي المتوسط ومنها مصر وقبرص واليونان، لتصدير الغاز، عاد الموقف الرسمي اللبناني الى تقييم الوساطة الاميركية، وسلّم السفيرة الاميركية في بيروت عرضاً بالترسيم المتزامن للحدود البرية والبحرية. وبناء على هذا الموقف المُستجد، عاد ساترفيلد الى بيروت، بمبادرة الترسيم، لكن ما قاله عن وقع الازمة المستجدة في الخليج، كان بأهمية مبادرة الترسيم.

تقول المعلومات انّ ساترفيلد الذي التقى المسؤولين اللبنانيين، حذّر بشدة وبوضوح من أنّ اي تحرك لـ»حزب الله» سوف يواجه بتحميل لبنان المسؤولية، مع كل ما يترتّب على الامر من نتائج، سواء لجهة اي استهداف للمصالح الاميركية، او بالنسبة لأي تحرك عسكري عبر الخط الازرق او في شبعا.

وتشير المعلومات الى انّ ساترفيلد اعتبر انّ المجتمع الدولي يتعامل مع تعهّد لبنان الالتزام بالنأي بالنفس، على محمل الجد. وحذّر من انّ اي خرق للنأي بالنفس سيلقى الرد المناسب.

وأشار ساترفيلد الى انّ الولايات المتحدة الاميركية ليس لديها قرار بالحرب، واجراءاتها ضد ايران تقتصر على العقوبات، لكن اذا قررت الاخيرة اللجوء الى الحرب بشكل مباشر او عبر استعمال الاوراق التي تملكها سواء في لبنان او العراق او اليمن، فإنّ ذلك سيلقى الرد المناسب، ومن مصلحة لبنان ألّا يتورّط في هذه الازمة.

من الواضح انّ الكلام الاميركي التحذيري يترافق مع تطور الازمة في الخليج، في ظل وجود قرار إيراني بعدم الرد المباشر على العقوبات، بل بتحريك أوراق القوة القادرة على الضغط وهزّ الاستقرار، على طريقة ما حصل في ميناء الفجيرة ومصافي النفط السعودية، وهو ما رفع درجة التأهّب في المنطقة الى مستويات غير مسبوقة منذ حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت.

وتصف مصادر دبلوماسية عربية الاستهداف الايراني للسعودية والامارات، بأنه الى الآن لم يصل الى خرق الخطوط الحمر، بل هو مجرد رسالة توتير الهَدف منها استدراج ردة فعل. وتشير الى انّ العقوبات الاقتصادية موجعة للنظام الايراني الى درجة تُهدّد وجوده، وهو بالتالي يلعب بأوراقه على حافة الهاوية، ويمكن لهذا النظام ان يلعب الورقة التالية في العراق، حيث يحتفظ بوجود عسكري إيراني مباشر وظاهر، وببنية تحتية صاروخية قادرة على تهديد الدول الخليجية، ولكنّ ايران تعرف انّ مجرد لعب ورقة تهديد المدن الخليجية سيكون إعلان حرب، وليس مجرد ضربات تكتية يمكن استيعابها، وتختم بأنّ الجميع ينتظر الخطوة التالية التي ستقوم بها ايران لكي يبنى على الشيء مقتضاه.