دول غربية توقف أنشطتها في العراق تحسبا لأي مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران
 
يسيطر الترقب على الأجواء العراقية في ضوء تحذيرات وقرارات متسارعة من دول غربية بسحب رعاياها وتعليق أنشطتها في العراق وسط مخاوف في بغداد من أن تنقل إيران المواجهة المتوقعة مع الولايات المتحدة إلى الملعب العراقي وبأدوات عراقية، وهو ما يحمل العراقيين أعباء معاناة جديدة من الحرب.
 
يأتي هذا فيما تكشف تقارير استخبارية عن تمركز صواريخ لميليشيات حليفة لإيران قرب مواقع القوات الأميركية في العراق، ما يعني أن إيران تجهز لمواجهات قد تكون محدودة على الأراضي العراقية ومنع واشنطن من نقل المعركة إلى الداخل الإيراني.

وسرعان ما تحول طلب وجهته الخارجية الأميركية إلى الموظفين الأميركيين غير الأساسيين في السفارة بمغادرة العراق، إلى موجة، أسفرت عن لجوء ألمانيا وهولندا إلى إجراء مماثل.

وعزز الطلب الأميركي التكهنات التي تشير إلى إمكانية اندلاع نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران، بالرغم من تأكيد مسؤولي البلدين أنهم لا يريدون الحرب.

وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد أن قرار سحب الموظفين غير الأساسيين من العراق، اتخذ بسبب “تهديدات متزايدة”.

وقالت السفارة، “بالنظر إلى سلسلة التهديدات المتزايدة التي يشهدها العراق (…) قرر وزير الخارجية الأميركي شمول البعثة في العراق بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في أربيل”.

وتعليقا على القرار الأميركي المفاجئ، قالت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها إن الوضع الأمني في العراق مستقر.

وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة، أن السفارة الأميركية استخدمت رحلات تجارية عاجلة لنقل موظفيها من بغداد إلى عمان وبيروت، فيما أخلت شركة اكسون موبيل الأميركية العاملة في مدينة البصرة الجنوبية موظفيها الأميركيين إلى الكويت.

وبالرغم من إصرار أطراف عراقية على أن “الأميركيين يواصلون إثارة الجدل بفبركة التهديدات بمفردهم في المنطقة”، إلا أن مصادر أمنية في بغداد تحدثت عن حصولها على معلومات تؤكد إمكانية تنفيذ عمليات خطف ضد رعايا أجانب في ثلاثة مواقع عراقية، في العاصمة بغداد والبصرة جنوبا وأربيل شمالا.

وقال الباحث ريناد منصور الزميل لدى مؤسسة تشاثام هاوس إن “الولايات المتحدة… ذهبت للقادة العراقيين لتقول أنتم إما معنا وإما معهم”. وأضاف “العراقيون كانوا يقولون لماذا لا نكون حلفاء للطرفين؟ لكن الأميركيين لا يعنيهم ذلك وأعتقد أن الإيرانيين كذلك لا يعنيهم”.

ورجحت المصادر أن عصابات متخصصة في الجريمة المنظمة، على صلة بميليشيات عراقية موالية لإيران، هي التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات الخطف.وتابعت أن المعلومات لم تحدد الجنسية المستهدفة بعملية الخطف، وهو ما يفسر إعلان ألمانيا وهولندا وقف عمليات بعثتيهما في العراق، لأسباب أمنية.

وأعلن الجيش الألماني الأربعاء أنه علق حتى إشعار آخر عمليات التدريب العسكري في العراق بسبب المخاطر المتصلة بالتوتر مع إيران.

من جهتها، قالت وكالة الأنباء الهولندية الأربعاء إن الحكومة علقت عمل بعثتها في العراق التي تقدم المساعدة للسلطات المحلية بسبب تهديد أمني.

وتساعد قوات هولندية عسكرية في تدريب القوات العراقية في أربيل بشمال العراق بالتعاون مع قوات أجنبية أخرى.

وتتخوف القوات الأجنبية التي تعمل بتفويض أممي في العراق من أن تشملها عمليات انتقامية تعد لها الميليشيات الموالية لإيران والتي تتمركز في مواقع كثيرة تحسبا لاستهداف الوجود الأميركي.

وقال مصدران أمنيان عراقيان إن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المفاجئة لبغداد هذا الشهر جاءت بعد أن أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن جماعات شيعية مسلحة مدعومة من إيران تنشر صواريخ قرب قواعد للقوات الأميركية.

وأضاف المصدران أن بومبيو طلب من كبار القادة العسكريين العراقيين أن يحكموا سيطرتهم على هذه الجماعات، التي توسع نفوذها في العراق بعد أن أصبحت الآن تشكل جزءا من جهازه الأمني. وإن لم يفعلوا سترد الولايات المتحدة بقوة.

ومع تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران يجد العراق نفسه محاصرا بين جارته إيران، التي تنامى نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة، وبين الولايات المتحدة.

وقال مصدر عسكري عراقي بارز على علم بتفاصيل زيارة بومبيو “الرسالة الأميركية كانت واضحة. طالبوا بضمانات بأن العراق سيكون قادرا على منع هذه الجماعات من القيام بتهديد المصالح الأميركية”.

وأضاف “لقد قالوا إنه في حالة تعرض أميركا للهجوم على الأرض العراقية فإنها سترد للدفاع عن نفسها دون الرجوع إلى بغداد”.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على تفاصيل مباحثات بومبيو. وكان قال بعد الزيارة “لا نريد أن يتدخل أحد في بلادهم (العراق)، خاصة بمهاجمة دولة أخرى داخل العراق”.

وكشف المصدر الأمني العراقي الثاني أن اتصالات اعترضها الأميركيون أظهرت أن بعض الجماعات المسلحة أعادت نشر مقاتليها ليتخذوا مواقع مثيرة للريبة وهو ما اعتبره الأميركيون استفزازا.

وأضاف أن العراقيين أُبلغوا بأن أي تهديد من هذه الجماعات “سيتم التعامل معه بصورة مباشرة من قبل الأميركان باستخدام القوة”.

وقال رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الثلاثاء للصحافيين إن الجانب العراقي لم يرصد “تحركات تشكل تهديدا لأي طرف (…) لقد أوضحنا ذلك للجانب الأميركي”.

ويواجه العراق صعوبات في تحجيم الجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران. فقد أصبحت هذه الجماعات رسميا جزءا من قوات الأمن العراقية، لكنها تعمل بشكل شبه مستقل مدعومة من ساسة متحالفين مع إيران، كما توسع نفوذها الاقتصادي.

وتقول الولايات المتحدة إن إيران تمثل أكبر تهديد للسلام في المنطقة. وتسعى لإضعاف الجماعات الشيعية المسلحة التي بسطت نفوذها على أراض تمتد إلى سوريا ولبنان وتريد من العراق أن يقلل اعتماده على صادرات الغاز الإيراني.

وتعتبر إيران العراق حلقة وصل مهمة مع العالم في مواجهة العقوبات الأميركية ويقول المحللون إن نشر صواريخ وقوات موالية لإيران يشير إلى أن طهران تستعد على الأقل لتهديد الولايات المتحدة بالعنف.

وقال المصدر الأمني العراقي إن المسؤولين الأميركيين بحثوا مع نظرائهم العراقيين انتشار فصائل مسلحة مدعومة من إيران على الحدود السورية حيث ساعدت القوات الأميركية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال بومبيو الأسبوع الماضي “طلبنا من الحكومة العراقية… إخضاع هذه القوات للسلطة المركزية العراقية”.

ويعتقد المحللون أن نشر الجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران للصواريخ يهدف على الأرجح إلى تشكيل تهديد رمزي للولايات المتحدة ولا توجد خطة حقيقية لاستخدامها.

وقال دبلوماسي غربي محذرا من مخاطر تصعيد كبير “الأجواء لم تعد ودية… (و) يبدو أن البيت الأبيض لا يعنيه أن يصبح العراق من الخسائر الجانبية” للصراع مع إيران.