الكشف عن خفايا التحالفات والرشاوى يؤدي إلى انفجار الكتلة البرلمانية السنية.
 
سلطت عملية اختيار محافظ جديد لنينوى، ومركزها الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد على مستوى السكان، وأهم مركز للطائفة السنية في العراق، الأضواء مجددا على مستوى التغلغل الإيراني في هذا البلد، كما تسببت في تحطيم أكبر قوة سياسية سنية في البرلمان.
 
ونجحت مجموعة موالية لفالح الفياض، مستشار الأمن الوطني، ومرشح إيران المفضل لحقيبة وزارة الداخلية في حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، في الاستحواذ على منصب محافظ نينوى، خلال عملية تصويت لمجلس المحافظة، قيل إنها أجريت بعد دفع أموال طائلة.
 
وخلال انعقاد جلسة التصويت، طالب الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، الحكومة ورئاسة الجمهورية بالتدخل لوقف “المهزلة” في نينوى، وحل مجلس المحافظة، بعد أنباء عن صفقات لشراء أصوات أعضائه لصالح أحد المرشحين.
 
وفاز بالمنصب، منصور المرعيد الجبوري، أحد النواب الذين ترشحوا على قائمة النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، قبل أن ينشق عنه ويلتحق بحركة عطاء مع الفياض.
 
وفضلا عن دعم حلفاء إيران، حصل المرعيد على تأييد قوي من زعيم المشروع العربي خميس الخنجر، ومحافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري، الذي يتمتع بنفوذ سياسي ومالي كبير.
 
وفشل مرشح الحلبوسي، حسام العبار في الحصول على أي صوت خلال الانتخابات، بعد انسحاب جميع الأعضاء المؤيدين له، وعددهم 12، من جلسة انتخاب المحافظ الجديد.
 
وحصل المرعيد على 28 صوتا من أصل عدد مقاعد المجلس المحلي لنينوى البالغ 42، فيما فاز بمنصب نائب المحافظ، مرشح عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
 
ويتكون مجلس نينوى من 17 عضوا عربيا، و10 أعضاء أكراد، فيما يتوزع المتبقي على ممثلين لأقليات مختلفة، كالمسيحيين والإيزديين والشبك.
 
واتهم البارزاني بمحاباة النفوذ الإيراني في نينوى، لكن حزبه رد بأن الزعيم الكردي قرر دعم الكتلة التي تضم أكبر عدد من ممثلي المكون العربي داخل مجلس المحافظة، وهذا ما وفرته كتلة المرعيد.
 
وتسببت هذه النتائج في تفكيك أكبر تحالف يجمع القوى السنية، الفائزة بانتخابات البرلمان، التي جرت في مايو الماضي، حيث أعلن نواب عن الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبغداد، مقربون من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حل تحالف “المحور” الذي يضم أغلب ممثلي القوى السنية في البرلمان العراقي، وتشكيل تحالف جديد يستبعد زعيم المشروع العربي خميس الخنجر ومحافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري “أبومازن”، اللذين اتهما بالتواطؤ مع فريق إيراني للاستحواذ على منصب محافظ نينوى.
 
ولم تمض إلا ساعات، حتى رد تحالف المحور بقرار يعلن فيه فصل الحلبوسي من عضويته، وبدء التداول بشأن اختيار خليفة له في منصب رئيس البرلمان.
 
وقال مقربون من الحلبوسي إن تحالف عطاء دفع لكل عضو في مجلس نينوى انتخب المرعيد نحو ربع مليون دولار مع تسليمه عجلة شخصية حديثة.

وسرد أنصار الحلبوسي تفاصيل كثيرة عن آلية الاتفاق والأماكن التي عقدت فيها الاجتماعات وشركات الصيرفة التي حولت الأموال، لكنهم لم يقدموا أدلة عينية.

وردت حركة عطاء بنفي جميع هذه الأنباء، وقالت إنها ستقاضي المروجين لها.

وقال محافظ نينوى المنتخب منصور المرعيد إن “الحديث عن دفع الأموال للأعضاء مقابل التصويت أمر معيب لأن الانتخابات جرت بشكل شفاف وواضح”، مضيفا أن “المحافظة تحتاج إلى خطة جديدة وسريعة من أجل النهوض بها وسنعمل جاهدين من أجل هذه المحافظة”.

وقال خبراء في القانون لـ”العرب” إن جلسة انتخاب المرعيد ليست قانونية، لأنها تجاهلت طلبا من مجلس النواب بتأجيل انعقادها، لكن آخرين قالوا إن الأمر أصبح واقع حال.

وتقول مصادر محلية إن أنباء فوز حليف لإيران بمنصب المحافظ في نينوى أصابت سكانها بالصدمة.

وتعتمد حركة الفياض على مكاتب الحشد الشعبي في نينوى لترسيخ نفوذها السياسي، ما حولها إلى أحد أهم العوامل المؤثرة في مصير المدينة المنكوبة بفعل الحرب على تنظيم داعش، التي حطمت بناها التحتية وشردت ثلثي سكانها.

وأصدرت عشيرة الحلبوسي بيانا، أيدت فيه موقف رئيس البرلمان، إثر أنباء عن حراك لإطاحته من منصبه.

وتقول شخصيات سياسية في بغداد إن “طهران تعاقب الحلبوسي، بعد إعلانه من واشنطن حاجة العراق إلى بقاء القوات الأميركية على أراضيه أعواما إضافية”.

وكان الحلبوسي نفسه ارتقى إلى رئاسة البرلمان بدعم قوي من إيران، قاده زعيم منظمة بدر هادي العامري.

وتقول المصادر إن ما حدث في نينوى ربما يؤثر على خارطة تحالفات القوى السياسية السنية، ويقرب الخنجر من المحور الإيراني أكثر، في ظل مقدمات كثيرة لخروج الحلبوسي منه.

وأشار مراقب سياسي عراقي إلى أن دخول إيران على خط الموصل من خلال تنصيب محافظ موال لها ربما يكشف عن جزء من أسرار الحرب التي دمرت المدينة، فانتشار ميليشيات الحشد الشعبي هناك يشير إلى أن تلك الحرب قامت من أجل الانتصار على سكان المدينة بذريعة تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي “داعش”.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن المدينة “السنية” التي عانت من سياسات نوري المالكي (رئيس الوزراء الأسبق) الطائفية ما أدى بها إلى الاستسلام لداعش سيعود سكانها ثانية في ظل حكومة موالية لإيران إلى الاصطدام بجدار العزل الطائفي لكن بأدوات سنية هذه المرة، وهو ما ينذر بمصير مظلم على مستوى إعادة الإعمار.

وأضاف أن الموصل هي أكثر المدن العراقية حاجة إلى شيء من الإنصاف والنزاهة لكي تُوضع الأموال في مكانها المناسب، غير أن عمليات بيع وشراء المناصب والأصوات ستجردها من ذلك الحق وتتركها نهبا للصوص والفاسدين والمرتشين المتخصصين بنهب المال العام عبر صفقات إعمار وهمية.