النظام الإيراني يعتقد أنه يضع العالم على المحك في تلويحه بالإرهاب، أو بإعطاء مهلة للأوروبيين، أو في ما يقدم عليه من عمليات مجهولة تتصيد في الماء العكر للإرهاب.
 

مقومات الحرب أو مواجهة أسوأ الاحتمالات حاضرة في كل الأنشطة الدبلوماسية والعسكرية للإدارة الأميركية، ومنها حركة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو منذ جولته الأوروبية مطلع الشهر الحالي وتصريحاته المتزامنة مع إلغاء الإعفاءات الخاصة باستيراد النفط الإيراني، وبالذات ما قاله أثناء تواجده في فنلندا “نحن نشهد تصعيدا من إيران موجها إلى جنودنا في العراق وإلى الممرات المائية حيث القوى المتزايدة للقوة البحرية الإيرانية وإلى مصالحنا في المنطقة، ذلك جوهر القضية”.

بومبيو اختصر جولته الأوروبية في ألمانيا ليوصل رسالة الردع إلى النظام الإيراني من خلال لقائه في بغداد برئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي متحدثا عن هجمات وشيكة، أعقبها تأكيده على سياسة الطوارئ عندما علق مرة أخرى تواجده في إحدى الولايات الأميركية ليتوجه إلى واشنطن على وجه السرعة مع جملة نشاطات وتصريحات انتهت بتأجيل زيارته لموسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي وذلك في حضور مفاجئ إلى بروكسل للاجتماع بمسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا لمتابعة ما أفرزته سياسة الاسترضاء الأوروبية للنظام الإيراني، بعد أن حشرت إيران الاتحاد الأوروبي بدوله الموقعة على الاتفاق النووي في زاوية مدة الشهرين التي منحها الرئيس الإيراني حسن روحاني لتنفيذ التعهدات الأوروبية في الاتفاق النووي.

الولايات المتحدة ترى في مدة الشهرين مجالا للتحرك واستمالة الدعم الأوروبي لقرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق في محاولة لزيادة الضغط على النظام الإيراني لإعادته إلى طاولة المفاوضات وإنهاء التردد الأوروبي إزاء سنوات من التأكيدات الإيرانية على مشروع تصدير الثورة إلى الشرق الأوسط، والذي وجد في الاتفاق النووي ضالته في زعزعة استقرار وأمن المنطقة وذلك بتدعيم الميليشيات والأحزاب والإرهاب الذي اكتوت بآثاره العديد من الدول حتى الأوروبية ومنها الدول المتبقية في الاتفاق النووي.

الدول الموقعة على الاتفاق بما فيها الصين وروسيا تدرك أن الاتفاق في جوهره كان بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والنظام الإيراني، وأن انسحاب الولايات المتحدة منه يعيده إلى نقطة الصفر رغم المخاوف الأوروبية التي عبر عنها تيم موريسون المساعد الخاص للرئيس ترامب لشؤون أسلحة الدمار الشامل والدفاع البايلوجي الذي وصف فترة الشهرين والتهديد الإيراني بعدم الامتثال لبعض أجزاء الاتفاق بأنها ابتزاز نووي لأوروبا منتقدا الأوروبيين لدعمهم آلية “انتيكس”، وهي وسيلة دفع جديدة تم إنشاؤها في يناير الماضي تساعد الشركات الأوروبية في الالتفاف على العقوبات الأوروبية.

رغم الآلية الجديدة إلا أن هذه الشركات لم تجازف في التعاطي مع هذه الخاصية للتجارة ما دفع بالمسؤولين الإيرانيين ومنهم المرشد الإيراني علي خامنئي وقادة الحرس الثوري إلى إعلان تذمرهم وعدم ثقتهم بالأوروبيين، أما وزير الخارجية الأميركي بومبيو فقد أبدى مخاوفه من أن تكون آلية “انتيكس” غطاءا لتمرير البضائع “غير المشروعة” وهي البضائع التي تقع خارج اشتراطات الحاجات الفورية للإيرانيين ونعني بها البضائع الاستهلاكية كالغذاء والدواء.

النظام الإيراني بمطالبته من الأوروبيين اتخاذ خطوات “عاجلة” لتأجيل الإعفاءات وضرورة الالتزام بتغطية مصادر النقد الأجنبي أو التهديد بالانسحاب من أجزاء من الاتفاقية، يؤكد ورطة النظام في مأزق العقوبات بما يرد من استخدام النظام الإيراني لنبرته المتصاعدة في تصريح قائد فيلق القدس قاسم سليماني عن قدرة إيران على غلق مضيق هرمز بوجه الصادرات النفطية، وهو ما قاله الرئيس حسن روحاني وعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد “إذا لم نستطع إخراج نفطنا عبر مضيق هرمز فلن نسمح بعبور نفط غيرنا”.

الخط الآخر الحاضر بقوة في مقومات المواجهة مع إيران يتمثل في الاستعدادات العسكرية الواسعة لأسلحة الهجوم أو الدفاع وانتشارها الجغرافي، إضافة إلى ما هو موجود أصلا في القواعد العسكرية البرية أو البحرية. رسائل الردع وصلت كما يبدو إلى الملالي، لكن ولاية الفقيه تتمسك بخطابها الشعبوي للداخل، والذي يتحول عادة إلى عمليات إرهابية يراد لها أن تكون مجهولة الهوية وغامضة كالمعتاد. لكن كل الوقائع تشير إلى أنه لم يعد بإمكان النظام الإيراني الإفلات من جرائمه بالتذاكي في اختبار صبر المجتمع الدولي بعد تجارة عقود من العمليات الإرهابية توجتها إيران بتهديدات مباشرة إلى أوروبا تتعلق بتسهيل هجرة ملايين اللاجئين، أو التهديد بمرور الجماعات الإرهابية من القاعدة وداعش وما يقع تحت أنشطة وزارة المخابرات الإيرانية.

إيران تسرعت بالتعليق في أول رد فعل دولي على عمليات التخريب التي استهدفت عددا من المدن التجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات، عندما وصفت الأمن في الخليج بالهشاشة، وسربت تصريحات من طرف خارج القيادات الإيرانية يتحدث عن طرف ثالث في معادلة الصراع بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني رغم أن نظام الملالي يراهن على معداته وآلياته البحرية وأيضا ميليشياته المدربة على زراعة الألغام المثبتة أو الألغام السابحة عن طريق الغواصات أو السفن الصغيرة أو الزوارق السريعة أو الضفادع البشرية.

النظام الإيراني يراوح سياساته التقليدية وما تتسم به من مراوغة وتحايل واتهام المندسين في محاولة للبحث عن سبل للحوار أو التراجع من باب المظلومية، لكنه من باب آخر يبدو ساذجا في ابتلاع الطعوم الإعلامية المحترفة بما يلتقطه من خارطة الطريق التي تمضي به إلى حتفه أو الاستسلام لحتمية الانكفاء لمعالجة شؤونه الداخلية، وفي مقدمتها الامتثال إلى منطق الدولة والكف عن العبث بأمن المنطقة وشعوبها ضمن منطق عبر عنه في هذا التوقيت بالذات المستشار ولايتي بأهمية الحضور الإيراني في الشأن العراقي والسوري، واعتبر ذلك ضمانة للدفاع عن الأمن القومي لإيران ناصحا الولايات المتحدة بمغادرة المنطقة فورا.

النظام الإيراني يعتقد أنه يضع العالم على المحك في تلويحه بالإرهاب، أو بإعطاء مهلة للأوروبيين لتعويض الخسائر التي تسببت فيها العقوبات الأميركية، أو في ما يقدم عليه النظام من عمليات مجهولة تتصيد في الماء العكر للإرهاب، لكن في المقابل ثمة حقيقة تأكدت وترسخت مفادها أن الشعوب الإيرانية في طريقها إلى الخلاص وأنها باقية كما أمة العرب وأن النظام لا سبيل أمامه سوى الرحيل أو إلقاء المنشفة البيضاء.