ماذا وراء زيارة ساترفيلد إلى لبنان؟
 

الزيارة التي سيجريها نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد إلى لبنان وهو الذي كان يتولى إنجاز الملف المتعلق بوموضوع الحدود البحرية الذي على ما يبدو أن مختلف الأطراف أصبحت مستعجلة لحلّه. 

حتى الآن لم يتبلغ لبنان حقيقة الموقف الاميركي بشأن التكامل في الترسيم ما بين الحدود البرية والبحرية، خصوصاً ان النقطة الأساسية العالقة ما بين البرّ والبحر هي النقطة البرية الاخيرة في الناقورة. وبحسب ما تكشف معلومات متابعة للملف، فإن الاميركيين يسعون إلى إنجاز هذا الملف في ظل الضغوط التي تشهدها المنطقة، على قاعدة عدم إبقاء الخلافات البحرية مع العدو الإسرائيلي، كعامل لتأخير الترسيم، وإيجاد صيغة ملائمة لذلك.

إذ توحي الحركة الاميركية الناشطة على الخط اللبناني، بإمكان حصول تطور في الملف الخلافي المتمثل بترسيم الحدود مع تل ابيب، ولئن كان الحسم ما زال بعيدا نسبيا، في ضوء عدم الاتفاق على الآلية بين لبنان واسرائيل التي تقود واشنطن وساطة دولية في شأنها. ذلك ان تسليم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاسبوع الماضي السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد، آلية كاملة وواضحة لتصور لبنان لكيفية ترسيم حدوده، تحظى بتأييد رئيس المجلس النيابي نبيه بري كما ابلغ السفيرة الأميركية، كان كفيلًا بحمل نائب مُساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد على زيارة بيروت، لاستكمال البحث مع المسؤولين في ترسيم الحدود البرية والبحرية، والآلية المفترض اتباعها، برعاية اميركية مباشرة، بعدما طلبت واشنطن سابقًا موقفًا لبنانيًا موحدًا من الالية التي يرضى بها لبنان، وقد اتفق في شأنها الرئيسان عون وبري بحيث تتم عملية الترسيم برا وبحرا بالتوازي وليس في البر قبل البحر، فيما لم يصدر أي موقف من رئيس الحكومة سعد الحريري في هذا الشأن حتى اللحظة، علمًا أن نقطة الخلاف الاساسية تتعلق بترسيم نقطة الحدود اللبنانية الاخيرة البرية في الجنوب عند منطقة الناقورة، والتي يفترض ان تنطلق منها عملية ترسيم خط الحدود البحرية. وتتضمن الآلية وفق ابرز بنودها:

ان يتم الترسيم برعاية الأمم المتحدة وفق المتفق عليه باعتبارها الجهة الدولية الراعية والضامنة لعمليات الترسيم وحل النزاعات الحدودية بين الدول.

ان يتم براً وبحراً كعملية كاملة متكاملة وفي شكل متلازم.

ان يستكمل الجانب الأميركي رعايته للعملية وتوسطه ما بين الطرفين اللبناني والاسرائيلي توصلاً لحل نقاط النزاع سواء على الحدود البرية او البحرية خصوصاً وان هناك مساحات كبيرة تدعي اسرائيل ملكيتها في حين هي لبنانية وفق ما تثبته الصكوك العقارية والقوانين الدولية.

ان تشكل الوساطة الأميركية القائمة على هذا الصعيد شاهداً يحظى باعتراف الأطراف الثلاثة الأمم المتحدة ولبنان واسرائيل.

وان تقدم الولايات المتحدة انطلاقا من دورها كوسيط بين الجانبين الضمانات اللازمة للبنان في شأن ما تم ترسيمه وحظي بقبول الدولة اللبنانية. 

إقرأ أيضًا: الموازنة في شوطها الأخير والفرصة الأخيرة

غير أن الآلية اللبنانية لا تبدو تحظى برضى أميركي وفق الأوساط المشار اليها، وتحديدا لجهة ربط الترسيم البري بالبحري، اذ تعتبره الادارة الاميركية غير عملي ولا منطقي، وهي تفضل حل كل نقطة خلافية على حدة، خصوصًا ان لجنة الناقورة الثلاثية تعالج الخلاف حول الحدود البرية، الا ان عدم الرضى لا يعني الرفض بحسب الاوساط، فساترفيلد سينقل الآلية اللبنانية الى تل ابيب لمناقشتها مع المسؤولين هناك، فإذا ما حظيت بالموافقة، تدخل حيز التنفيذ وتستضيف الامم المتحدة مفاوضات ثنائية برعاية اميركية تستند الى خط هوف، واذا رُفضت فإن واشنطن ستبلغ لبنان بوجوب عدم جواز ربط البري بالبحري.

والا، خلاف ذلك لبنانيًا، قد يعني سحب واشنطن يدها من الوساطة على قاعدة ابحثوا عن وسيط بديل. وبحسب ما تكشف معلومات متابعة للملف، فإن الاميركيين يسعون إلى إنجاز هذا الملف في ظل الضغوط التي تشهدها المنطقة، على قاعدة عدم إبقاء الخلافات البحرية مع العدو الإسرائيلي، كعامل لتأخير الترسيم، وإيجاد صيغة ملائمة لذلك.

ففي ظل اجواء وتطورات دولية – اقليمية، ضاغطة ودقيقة ومفتوحة على العديد من الاحتمالات ساحتها الاساسية منطقة الخليج العربي، التي شهدت في اليومين الماضيين احداثا في ميناء الفجيرة بالاضافة الى استهداف خط انابيب نفط عائد لشركة ارامكو السعودية، وضعت الحشود الاميركية في المنطقة أمام تحديات حقيقية، بفعل تصريحات خليجية حملت ايران مسؤولية استهداف الملاحة التجارية والنفطية في مياه الخليج.. وقد اثارت العملية ردود فعل دولية وعربية ولبنانية مدنية ورافضة من بينها ما أعلنه الرئيس سعد الحريري.

تزداد الامور في لبنان غموضاً، ومأساوية على مستويات عديدة والجميع يتابعون هذه التطورات الاقليمية – الدولية، وليس بين اياديهم من شبكة أمان تقيهم سوى التأكيد على ضرورة واهمية ان تكون المصلحة الوطنية العليا، هي الجامع المشترك بين سائر الافرقاء السياسيين وغير السياسيين، الذين تقع عليهم مسؤولية التكاتف والتضامن والتشاور والتحاور فيتفقوا على كلمة سواء تجمعهم وهم منشغلون بانجاز موازنة العام 2019، والرئيس نبيه بري ينتظر على أبواب عين التينة ليصار الى تحويل مشروع الموازنة الى المجلس النيابي، لدراسته ومناقشته واقراره بعد إدخال تعديلات، اذا قضت الضرورة ذلك.

ليس من شك في ان لبنان يعيش وضعاً استثنائياً جراء عدم توافق الافرقاء السياسيين فيه إلا على الحد الادنى المتمثل بضبط الوضع الامني في الداخل بالنظر الى المصالح الرئيسية المتبادلة.. إلا ان »شبكة الامان« هذه، في نظر البعض »ليست أبدية« وليست كافية اذا ما دعت »الضرورات« لدى هذه الدولة او تلك الى اباحة المحظورات. لا تخفي مرجعيات عديدة قلقها، وقد عبرت عن ذلك بسلسلة مواقف  حذرت من خلالها، من تفاقم الانقسامات العمودية، الطائفية والمذهبية واللعب على اوتارها، لاسيما وان حال الفقر والحرمان تتفاقم، وتكون أرضاً خصبة لأي خطط، خارجية.

من اسف، بل من المؤلم ان تصبح بلادنا، اليوم هدفا للغة الحديد والنار، التي تسكت لغة الحوار والمحبة والتوحد في ولاء وطني واحد، جامع ومانع.