لم يتقاعد سياسياً، ولم يترك الحلبة، لكنه لا يُفعِّل محرّكاتِه بطاقتها القصوى. اكتفى الرئيس فؤاد السنيورة بعد رفضه التسوية الرئاسية وما تلاها، وبعد امتناعه عن الترشح للانتخابات النيابية، التي سبق أن عارض قانونَها المفبرَك، الذي أُنتج على قياس التسوية، تأدية دور الراعي الصالح، والمرشد الذي يسترشد بتجربة حافلة عاشها منذ العام 2005 وحتى ما بعد تسوية الدوحة (التي عارضها ايضاً)، وشهدت إقرار المحكمة الدولية والقرار 1701، وكثيراً من المحطات الاستثنائية، التي شلّت الدولة وحاصرتها، قبل أن تحاصر السراي وحكومة السراي.
 

من الدعوة الى استعادة الدولة يبدأ السنيورة، واليها ينتهي. ويقول: «من دون عودة الثقة بين المواطن والدولة عبثاً نحاول أن نُنقذ البلد».

ويضيف: «الثقة هي الأساس، فقدانُها هو الداء الذي يجب أن يبدأ به العلاج، فالمريض عندما يُعرض على الطبيب لتشخيص حالته وعلاجه، يبدأ أولاً بخفض حرارة المريض، ثم يذهب الى معالجة بقية الأمراض».

والثقة المفقودة، يكرر السنيورة، هذه الثقة «لا ترمَّم الّا بالعودة الى الدولة، الى مبادئها، ومؤسساتها، العودة من الطرق الفرعية الى الاوتوستراد، كما قلت سابقاً، العودة الى اوتوستراد الدولة بعدما غالى البعض في سلوك الطرق الفرعية، التي هي نماذج عن اقطاعيات وحصريات تمثيل طوائف داخل الدولة، أي اقتطاع اجزاء من الدولة وتحويلها محميات على رأس كل منها مقتطع، يرهن المحميّة لمصالحه الخاصة، فتفقد الدولة مبدأَ وجودها، وقدرتَها على حماية المواطن».

بسؤال السنيورة عن الموازنة والنقاشات التي تدور في مجلس الوزراء، يجيب: «النقاش الآن هو نقاش حسابي ورقمي، فيما المطلوب حلول جذرية تطاول أساس الداء. فليبحثوا عن الحل في المكان الصحيح، المطلوب عودة الدولة بمؤسساتها لتنشيط الاقتصاد ورفع النمو، المطلوب قرارات كبيرة منها ترشيق الإدارة والقطاع العام».

ويضيف: «لقد شبّهت هذا الوضع بسيارة «فولزفاغن» تجرّ قاطرة كبيرة، ولا يزال الوضع على ما هو عليه، حتى إنّ «الفولزفاغن»، لم يتم تجديدُ محركها، وهي بهذا المحرك المتهالك يُطلب منها أن تجرّ القاطرة، وهذا الوضع معروف الى أين سيؤدي».

ويقول السنيورة «اخشى أن لا يكون قد بقي الّا الفتات، جراء ضرب منطق الدولة»، ويشير الى «انّ اقتصار البحث على إنتاج موازنة رقمية، لن يعني الخروج من الازمة او منع حصول الاسوأ».

ويلجأ لشرح وجهة نظره الى مثل آخر: «شوهد احدُهم منحنياً على الارض ليلاً تحت الضوء يحفر مفتِشاً عن شيء ما فسُئل: ماذا أضعت فأجاب مشيراً الى مكان بعيد: لقد أضعت مالاً هناك، فسئل: لماذا تحفر هنا اذاً؟ فأجاب: لأنّ هذا المكان غيرُ مظلم».

يضيف السنيورة: «هكذا يفتش البعض اليوم عن الحلّ، ولهذا من الصعب أن يجدوه».

عن الدولة المتداعية يعود السنيورة الى الوراء غامزاً الى التسوية التي عارضها والتي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً: «لقد قلتُ الكلام الأوضح، ومن بكركي بالتحديد، قبل خمس سنوات، قلت إنّ رئيس الجمهورية يجب أن يُنتخب بقرار وطني وليس بتوافق بين قوى مسيحية، رئيس الجمهورية أعطاه الدستور ما لم يعطِه لسواه، أعطاه القسم على حمايته، وإذا حمى الرئيس الدستور فمَن سيجرؤ على معارضته أو مواجهته. لقد وضعوا عنوان الرئيس القوي، مكان الرئيس الذي يمثل جميع اللبنانيين، والذي يحمي الدستور، وأنا أرى انّ عنوان الرئيس القوي، يفتقد للواقعية، ويشبه البدعة، خصوصاً في ظل ما يجري من سياسة اقتطاع الدولة حصصاً على بعض الأفرقاء».

ويختم السنيورة: «علينا في ظل هذا الوضع الداخلي الصعب، وهذا الوضع الإقليمي الملبّد بغيوم الأزمات أن نتلمّس طريقنا الى محاولة النفاذ من الأزمة، والحلول ممكنة، لكن ليست بالمسكّنات، فلنعمل لإعادة بناء الدولة القوية بمؤسساتها ودستورها، ولنتّخذ القرارات الشجاعة، اقتصادياً ووطنياً، هذه ليست مجرد نظريات، هذا هو الحل».