محنة النظام الإيراني لن تنتهي إلا بواحد من أمرين. الأول هو استسلامه لمطالب الأميركيين التعجيزية، فتكون النتيجة هي السقوط. والثاني العناد والتحرش بالفيل الأميركي المدجج بالصواريخ والقنابل، فتذهب ريحه ويتحقق السقوط أيضا دون ريب.
 

منذ ما يقرب من أربعين سنة وعشراتُ السياسيين والكتاب والمفكرين العرب والعجم والأجانب ينصحون قادة النظام الإيراني بالتعقل والتواضع والتراجع عن سياسة التحدي والمكابرة، والتوقف عن ممارسة العنف ونشر الخراب والفساد وسفك الدماء في البلاد الآمنة والشعوب المسالمة، ويحذرونهم من زمن غدّار تتبدل فيه المصالح والمواقف، وينفضُّ فيه الحلفاء والأصدقاء، ويُذكرونهم بأن الناس، دائما ومن فجر التاريخ وحتى اليوم وإلى أبد الآبدين، لا تقف إلا مع القوي والغني، ومع من تنفعها صداقته ولا تضرها، إذ لا مكان في السياسة لرحمة وشهامة ولمبدأ العفو عند المقدرة.

ولكنهم كانوا، دائما، لا يزدادون إلا غرورا وعنجهية وتعاليا على الشعوب، وإلا مباهاةً بأن “إيران أصبحت إمبراطورية”، وبأن قوتها في المنطقة والعالم “حقيقة بيّنة للجميع لا يشك فيها أحد”، وبأن “جبهة الدفاع عن الإسلام بلغت سواحل البحر المتوسط”.

ويوما بعد يوم يضاعفون جهودهم في ممارسة العنف ونشر القتل والإرهاب ومحاورة العالم بالخنجر والساطور والمفخخات، ويصرون على تشكيل الميليشيات وتمويلها وتسليحها وإطلاقها في الدول المجاورة لتخريب حياة أهلها وإرهابهم، ونشر الفساد والخراب وسفك الدماء.

حتى جاء اليوم الموعود، وذهب الرئيس الأميركي المتهادن المتهاون، باراك أوباما، وحل محله واحد آخر يقيم جميع مواقفه وسياساته كلها على أساس الربح، والربح وحده، ودون خسارة، له شخصيا أولا، ولحكومته ثانيا، وبعناد ومثابرة وإرادة لا يغلبها غلاب، حتى من قبل أن يتم انتخابه اختار معاداته لإيران، والعمل على طردها من “مستعمراتها” في الشرق الأوسط، وخلع أنيابها ونزع أظافرها، وجعلها ورقته الانتخابية التي يراها رابحة ويعجز خصومه الديمقراطيون عن معارضته فيها، خصوصا وأنها مجازة ومحمية بنفوذ القوى الكبرى في المجتمع الأميركي، وبالتحديد من مراكز قوة اليهود الأميركيين والإسرائيليين.

وكما رأيتم أيها القراء الأعزاء، كيف بدأ ترامب مسلسله بالخروج من الاتفاق النووي، ثم أتبعه بعقوباته الخانقة الجديدة المضاعفة، ثم أدرج الحرس الثوري وكبار قادة النظام على قائمة الإرهاب، ثم قرر أخيرا تصفير بيع نفط إيران تماما، وذلك لحرمانها من مواردها التي تساعدها على مواصلة الإثم والعدوان.

ومن آخر مبتكراته المثيرة حشدُه لأقوى ما لدى أميركا من سلاح، ومن قواعد وحلفاء، غيرَ مبقٍ لنظام الولي الفقيه سوى العصبية والحيرة والانفعال، وسوى تصريحات قادته العسكريين الهوائية التي لا ترد بارجة ولا مدمرة ولا حاملة طائرات، ولا تغلق قاعدة عسكرية هنا أو هناك، بل تزيد الرئيس الأميركي وأعوانه عنادا على عناد.

فهل استمعتم إلى قائد القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني وهو يهدد قائلا “إذا أقدمت أميركا على خطوة فسنوجه لها ضربة في الرأس″؟ وإلى الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو يدعو إلى الوحدة بين الأحزاب السياسية لمواجهة الضغط الأميركي غير المسبوق، قائلا “إن البلاد تمر بمرحلة عصيبة أكثر من تلك التي كانت عليها خلال الحرب العراقية الإيرانية”، ومعترفا بصعوبة المرحلة الناجمة عن العقوبات الأميركية وقطع جميع الصادرات الإيرانية.

أما المهم الذي يغفل المرشد علي خامنئي وأعوانه عن تذكّره فهو أن إيران، مهما تبجح قادة حرسها الثوري، تبقى دولة من دول العالم الثالث، أشبه بجرادة تتقاتل مع فيل، مهما امتلكت من أسلحة تظنها قادرة على أن تفعل المستحيل.

فهي في الداخل والخارج، معا، غارقة في همومها ومشاكلها إلى حد أن العقوبات الأميركية التي لم تبلغ نهايتها بعدُ قد جعلت طوابير الإيرانيين على الماء والغذاء والدواء أطول مما يمكن أن يتحملوه إلى ما لا نهاية.

وها قد جاء اليوم الذي تتوقف فيه دول كبرى كالهند والصين واليابان عن شراء نفطها، وذلك لأن مصالحها مع أميركا أضعافُ مصالحها مع إيران بعشرات الأمثال، ولا يغامر بخسارتها إلا المجانين.

وأية دولة، كبيرة كانت أو صغيرة، تقامر بدخولها الحرب مع أميركا دفاعا عن الحكومة الإيرانية وسجلُّها الأسودُ في ممارسة الإرهاب يُخزي من يفكر بنجدتها؟

والخلاصة أن محنة النظام الإيراني هذه لن تنتهي إلا بواحد من أمرين. الأول هو استسلامه لمطالب الأميركيين الإثني عشر الأخيرة التعجيزية، فتكون النتيجة هي السقوط. والثاني العناد والتحرش بالفيل الأميركي المدجج بالصواريخ والقنابل من رأسه إلى أخمص قدميه، فتذهب ريحه ويتحقق السقوط أيضا دون ريب.

والأغرب من الغريب أن أخطر أسلحة أميركا المدمرة موجودة في ضيافة أصدقاء الولي الفقيه وحلفائه القطريين والعمانيين والترك والباكستانيين والعراقيين والسوريين والأفغان. وقد يفاجأ الولي الفقيه بأن أول من سينقلب على إمبراطوريته ووكلائها هم العراقيون، شيعة وسنة وأكرادا، فقط حين يرون أن السفينة موشكة على غرق أكيد.

والذي ساير قاسم سليماني وهادي العامري وقيس الخزعلي والمهندس، والذي حمل السلاح في حشدهم الشعبي بسبب حاجته لقوة إيران أو لمالها، سينفض عنهم غدا، وعن دولة وليهم الفقيه، حين تمسي بلا قوة ولا مال.

يبقى سؤال أخير، ما ذنب المواطن الإيراني البريء ليتحمل كل هذا الكم من الألم والأحزان، وكل هذا الخوف من غدٍ تتفتت فيه وحدة البلاد والعباد، وتصبح دولته عراقا أو سوريا أو يمناً أو ليبيا أخرى، ومن نوع آخر جديد وفريد؟