أنّ أفق المؤسّسين الكبار كان هابطاً ومستوى وعيهم كان فقيراً، فلماذا أُجبر نفسي على الالتزام بنتائج أفقهم الهابط ووعيهم الفقير؟!
 

هبوط الوعي المؤسف عند الكبار الإثني عشريّة المؤسّسين" أجد من المناسب ذكر مثال روائيّ فقهيّ جزئيّ بسيط؛ لنستكشف من خلاله مستوى الوعي الحاكم آنذاك، وهل يصلح مثل هذا المستوى في حسن الظنّ بمنقولاتهم دون تمحيص وفحص وجعلهم في دائرة المقدّس المذهبيّ الّذي لا يجوز مسّه حتّى للمطهّرين!!


روى الكلينيّ صاحب أهمّ كتاب حديثيّ إثني عشريّ معتبر والمتوفّى سنة: "329هـ" بإسناده عن أبي الصّلت الهرويّ عن الرّضا "ع" إنّه قال في الرّجل الّذي تُدركه الصّلاة وهو فوق الكعبة: «إن قام لم يكن له قبلة، ولكنّه يستلقي على قفاه، ويفتح عينيه إلى السّماء، ويعقد بقلبه القبلة الّتي في السّماء البيت المعمور، ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمّض عينه، فإذا أراد أن يرفع رأسه من الرّكوع فتح عينيه، والسّجود على نحو ذلك». [الكافي: ج3، ص392].


ورغم إنّ هذه الرّواية ضعيفة السّند جدّاً وفقاً لمقاييسهم، ورغم مخالفتها للنّصوص الآمرة بضرورة القيام والرّكوع والسّجود مع القدرة، لكن عمل جمع من الفقهاء الإثني عشريّة بها وأفتوا على أساسها، بل ادّعى شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: "460هـ" في كتابه الخلاف إجماع الفرقة على ذلك مستنداً إلى هذه الرّواية. [الخلاف: ج1، ص441].


ولهذا خرج السيّد السّيستاني "حفظه الله" عن صمته وهدوئه المعهود في مجلس درسه الفقهي ليبدي تحفّظه البالغ تجاه تعامل المشايخ المؤسّسين مع هذه الرّواية فقال: «والعجيب من الكلينيّ والشّيخ [الطّوسي] وغيرهما كيف اعتمدوا على هذه الرّواية مع هذا السّند وهذا المتن المخالف لروايات العامّة والخاصّة، مع ما فيها من الغرابة من جعل البيت المعمور في السماء قبلة يجوز استقبالها في الصلاة». [مكان المصلّي، تقريراً لأبحاث السيّد السّيستاني: ص211].


بلى سيّدنا السّيستاني؛ سيزول العجب تماماً إذا ما عرفنا ـ وأنت سيّد العارفين ـ أنّ أفق المؤسّسين الكبار كان هابطاً ومستوى وعيهم كان فقيراً، فلماذا أُجبر نفسي على الالتزام بنتائج أفقهم الهابط ووعيهم الفقير؟! هم لهم ربّ سيسامحهم وأنا لي ربّ سيحاسبني؛ لأنّ مدار الحساب والعقاب هو الوعي، لكنّ المؤسف أن نراك ـ وأنت ابن القرن الواحد والعشرين ـ تلتزم بمفادات نصوص روائيّة مخيّبة جدّاً أوردها هؤلاء الكبار في مصنّفاتهم وتستقتل إلى الأخير في تطبيقها على واقعنا المعاصر بذريعة وأخرى، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.