البطريرك نصر الله بطرس صفير بقي وحده ويرحل وحده .
 

بطرك 14 آذار تركوه وحيداً  ووحده يشبه الأرزة  
وحده بقيّ ثابتاً على الثوابت الوطنية لم يهادن ولم يبايع  ولم يدخل لعبة الصفقات وبقي نظيف العقل والقلب لم تلوثه السياسة وقد عصمه طيلسان الرهبنة عن الدخول في جبّة الشيطان  فيقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول،  كسياسي مخضرم أو آخر خرج للتو من جعبة حزبه السياسي  والطائفي ليتعلم الدراية في حقل الناس كونهم مواد للدارسة تختبرهم الأحزاب كتجارب لصغارهم ممن (استنوبتهم واستوزرتهم ) أرباب الطوائف .

وحده استقال ترك السياسة بعد أن أنجز الاستقلال الثاني وحتى لا يكون شاهداً على عودة الاحتلالات من بوابات متعددة قرر الغيبة في عُزلة مع الله خاشعاً على مذبح الحرية يوزع بخور السيدة مريم على المصلين الذين هجروا السياسيين ولاذوا بحواريين منقطعين عن لذائذ الدنيا .

وحده لم يصافح صاحب السكين الطاعنة في خاصرة الوطن لم يُبدل في قول أو فعل آمن به ايمانه الغليظ بدينه وبدين سيده  المسيح عليه السلام ولم يشرك بوحدانية الدولة ولم يتلون بألوان المصالح فيغمض عيناً هنا وأخرى هناك ويستبدل أقوالاً بأقوال تبعاً للظروف والضرورات التي ينتهجها الدينيون و السياسيون من ملّة المصلحة والمنفعة الشخصية ممن يعذرون أنفسهم على حرام أو كبيرة من الفواحش .

إقرأ ايضاً : حكومة غنية وشعب فقير
 

وحده رفض المُضي في لعبة الداخل المحكومة بمصالح طبقة سياسية لا ترى أكثر من حدود منافعها الخاصة والمباشرة ورفض أن يكون تابعاً لجهة تلبية لجماهير مشحونة بعصبية خسّرتهم في كل مراحل تطرفها الطائفي ولم تُربحُهم الاّ بحدود ما استقامت على صليب الاعتدال .

وحده قال كلمته ومشى : لبنان أولاً و أخيراً ولا شريك له ... في حين أن التابعين " زوربوا"  وهربوا من طريق الجُلجلة  واختاروا بدلهم الوزارية والنيابية بغض النظر عن القناعات والمبادئ لذا تفرّق شمل 14 آذار و ذهبوا فُرادى و جماعات باتجاه 8 آذار لا لملاقاة فريقه واللعب ضدّه بل لمجاراته طوعاً في خياراته من السلاح الى الدويلة الى القتال حيث يجب غير متمسكين بشعار واحد من شعاراتهم التي استنهضوا أكثرية لبنانية عليها ومن ثم لحسوا تواقيعهم على عرائض كانت بمثابة دستور للاستقلال الثاني .
وحده بقيّ في جبهة 14 آذار ولم يبق معه أحد وهذه سيرة الأنبياء والأولياء والأوصياء يبقون وحدهم في ساحة المواجهة التي يفرّ منها ضعفاء النفوس ومرضى الطموحات الرخيصة والباحثون عن أرزاقهم في سلة السياسة المتوسلة رزقاً ببيع مواقفهم وقناعاتهم والمرتجون  من خصومهم خيراً من خبز السلطة مهما كانت كسرة الرغيف صغيرة .

وحده يشبه الأرزة في لونها وقوتها وجذورها الضاربة في تراب لبنان .