هل ستلبي الموازنة العامة متطلبات مؤتمر «سيدر» والمستثمرين على اختلاف هوياتهم، وينتقل لبنان من مرحلة الركود والجمود الاقتصادي الذي يتخبّط فيه نتيجة السياسات الخاطئة لاركان السلطة الذين يتسلطون على البلاد والعباد منذ عشرات السنين، أم انها ستكتفي بالقشور من دون الدخول إلى عمق الأزمة الخانقة، لأن هؤلاء الأركان يرفضون المس بمكتسباتهم ولو أدى الأمر إلى إفلاس الدولة؟
 

ان كل المؤشرات التي تسربت عن المناقشات التي تدور في مجلس الوزراء، وعن الإجراءات التي اتخذت لوقف هدر المال العام وخفض العجز إلى الحدود المقبولة دولياً والتي ستتخذ لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الحكومة للوصول إلى الغاية المنشودة، أي إلى الإصلاح الحقيقي الذي تتطلبه الشروط الدولية التي وضعت في مؤتمر «سيدر» لحصول لبنان على المساعدات التي أقرّت في هذا المؤتمر والتي بلغت ما يقارب الـ14 مليار دولار، واساسه مكافحة الفساد حتى اجتثاثه ووقف هدر المال العام وإعادة هيكلة السياسة المالية والاقتصادية بما يؤدي إلى خفض الانفاق في الوزارات إلى الحدود التي تشجّع المستثمرين العرب والأجانب وحتى اللبنانيين على الاستثمار في هذا البلد والمساهمة بشكل أو بآخر في رفع مستوى النمو فيه إلى الدرجة التي تحد من خطر الانهيار المالي والاقتصادي. ذلك لأن كل ما تسرب عن مناقشات مجلس الوزراء من معلومات عن عصر الانفاق العام، وعن التقشف لا يتعدى كونه محاولات غير مدروسة ولا مبنية  عن خطط علمية تؤدي إلى خفض حقيقي للعجز الذي يتخبط به هذا البلد لأنها مبنية  في الأساس على حسابات أرباب الطبقة الحاكمة سياسية كانت أم اقتصادية في حين ان المطلوب من مجلس الوزراء أولاً وآخراً وقبل أي أمر اعتماد خطة مدروسة تستجيب لمتطلبات مؤتمر «سيدر» الذي تبلغها المسؤولون اللبنانيون من مسؤولي كل الدول المانحة وحذروا من اللعب بها تحت أية ذريعة أو أي مسلمات مهما كانت اسبابها ومبرراتها، الأمر الذي يحمل اللبنانيين على اليأس التام من إمكانية الخروج من هذه الأزمة بصرف النظر عن التخفيضات التي سيدخلها مجلس الوزراء على بنود الموازنة، كما أعلن الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء بعد جلسة أمس والتي لم يخف فيها توجه المجلس لخفض رواتب موظفي القطاع العام والمؤسسات المستقلة المرتفعة في نظر أرباب السلطة وممثليهم في حكومة العهد الأولى.

ولو كانت الحكومة، ومن يقف وراءها جادة فعلاً في تحقيق الإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي كشرط لحصول لبنان على المساعدات والهبات التي أقرّت في مؤتمر «سيدر» لما كانت خطواتها ما زالت متعثرة كما تدل على ذلك المناقشات الجارية في مجلس الوزراء، علماً بأنه اسهل ما يكون عليها ان تبدأ بالمعالجات الصحيحة التي تؤدي إلى الهدف الذي ينشده هذا المجتمع كما ينشده جميع اللبنانيين والتي لا تكون صحيحة ولا تؤدي الغاية المطلوبة الا إذا بدأت من الأعلى إلى الأسفل أي من رأس الهرم ونزولاً إلى القاعدة، ما دام الجميع يعرف جيداً ان مكمن العلة يبدأ في أعلى الهرم ثم يتفشى إلى القاعدة، وليس العكس صحيحاً في أي حال من الأحوال، وهو الأمر الذي لفت إليه المجتمع الدولي في مؤتمر «سيدر» عندما دعا الحكومة اللبنانية إلى اجراء إصلاحات بنيوية في هيكلية الدولة وليس الاكتفاء بالقشور كما يفعل مجلس الوزراء، وذهب المجتمع الدولي إلى حدّ تسمية الأشياء بأسمائها عندما تحدث عن إصلاح القطاع الكهربائي كونه يستنزف خزينة الدولة بمليارات الدولارات سنوياً مما أدى إلى تفاقم الدين العام وإلى ارتفاع معدل العجز مقابل انخفاض مستوى النمو إلى ما يقارب الصفر وحتى دونه، ولكن على من تقرع طبولك يا داود ما دامت اذانهم صماء أو انها لا تريد ان تسمع حفاظاً على مكاسبها التي لا تعد ولا تخفى، أو خوفاً من ان تتقص الثروات التي جناها أرباب السلطة الحاكمة من جيوب الشعب.