تعطيل صفقة سلاح للسعودية يثير مخاوف فرنسا بشأن خسارة دورها في الخليج
 
يبدو مستبعدا أن تتسبب الحرب في اليمن بتغيير جذري في سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بمبيعات السلاح إلى السعودية بالرغم من معارضة دوائر ضغط ومجموعات يمينية للاستمرار في صفقات تنظر إليها الدول المصدرة على أنها ضرورة للشركات المنتجة.
 
وفي دول على غرار بريطانيا وفرنسا، تعد عمليات إيصال السلاح إلى السعودية في غاية الأهمية لمواصلة التأثير العسكري والمحافظة على الآلاف من الوظائف.
 
وكان من المنتظر أن يتم إيصال شحنة جديدة من الأسلحة الفرنسية إلى سفينة “بحري ينبع” السعودية في ميناء لو هافر الفرنسي. لكن مصدرا أفاد الجمعة أن السفينة لن ترسو في الميناء رغم أنها رست قبالته لأيام وتحركت نحو إسبانيا. ويأتي التغيير في الخطة في أعقاب احتجاجات على تسليم الأسلحة للرياض.
 
وقال أيمريك إلوين من منظمة العفو الدولية في فرنسا “من الواضح أنه حصل شرخ جرّاء الحرب في اليمن. كان هناك وعي منذ مدة في ألمانيا وبلجيكا وبريطانيا وإيطاليا. أما في فرنسا، فإنه أمر جديد”.
 
وأوصلت باريس أسلحة بقيمة نحو 1.38 مليار يورو (1.5 مليار دولار) إلى الرياض في 2017، ما جعلها ثاني أكبر زبون لفرنسا في هذا القطاع بعد مصر.
 
ورفض القضاء إحدى شكويين تقدمت بهما منظمتان لمنع نقل شحنة الأسلحة بحجة أنه يمكن استخدامها ضد مدنيين في اليمن حيث تقود الرياض تحالفا دعما للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
 
وقالت المحكمة الإدارية التي نظرت في دعوى منظمة “تحرك المسيحيين لحظر التعذيب” إنّ “السماح بالخروج الجمركي لهذه الأسلحة لا يتسبب في خطر موصوف ومحدق بحياة الأشخاص” الذين يواجهون الحرب في اليمن.
 
ودافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مبيعات الأسلحة واصفا الرياض وأبوظبي بالحليفتين في الحرب على الإرهاب ومشيرا إلى أن باريس حصلت على ضمانات بأنه لن يتم استخدامها ضد المدنيين.
 
وتغالب باريس الحرج المترتّب عن محاولة جهات فرنسية عرقلة تسليم أسلحة متعاقد بشأنها مع السعودية، كون القضية لا تتعلّق فقط بإفشال صفقة بيع سلاح قد تنجرّ عنها خسائر مادية، بقدر ما تتضمّن عدم إيفاء بالتزامات إزاء شركاء كبار تجمعهم بفرنسا مصالح أكبر سياسية واقتصادية وأمنية، فضلا عن كون عدم تسليم تلك الأسلحة سيعني آليا فسح المجال لشركاء دوليين متحفزّين لملء أي فراغ، وتعظيم أدوارهم في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على حساب الدور الفرنسي.
 
وسرّب موقع “ديسكلوز” الاستقصائي الفرنسي رسالة عسكرية سريّة الشهر الماضي ترصد تفاصيل استخدام الدبابات والمدفعية الفرنسية في الحرب اليمنية.
 
وأكّدت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي لاحقا خطة تسليم شحنة الأسلحة في لوهافر إلى السعودية، مثيرة غضب المعارضة عبر إعلانها “عدم وجود إثباتات” على تسبب الأسلحة الفرنسية في سقوط ضحايا في اليمن.

وتشكل بريطانيا مصدرا لـ23 بالمئة من الأسلحة التي تستوردها السعودية. والعام الماضي، تم التوقيع على طلب أولي بمليارات عدة من الجنيه الإسترليني لشراء السعودية 48 مقاتلة من طراز “يوروفايتر تايفون”.

ووافقت بريطانيا على بيع أسلحة بقيمة خمس مليارات جنيه إسترليني (6.5 مليار دولار) للسعودية منذ بدأت حملة المملكة في اليمن عام 2015، بحسب أرقام حكومية حللتها مجموعة “الحملة ضد تجارة السلاح” المناهضة للحروب.

من جانبها، صدّرت إسبانيا أسلحة بقيمة 496 مليون يورو (557 مليون دولار) إلى السعودية في 2017. وتعرضت حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز الاشتراكية العام الماضي لانتقادات من حزب بوديموس اليساري المتحالف معها لإبقائها طلبا لبيع 400 قنبلة موجهة بالليزر للمملكة.

وتقر الدول المعنية بالحرج، لكنها توازن بين تلك المؤاخذات ومصالح شركاتها.

وقال النائب جاك مير من حزب الرئيس الفرنسي “هناك قلق متزايد بشأن هذه المسائل وعدم إشراف”.

وأضاف “في نهاية المطاف، تعود الكلمة الفصل في كل البلدان إلى السلطات التنفيذية”.

من جهته، أقر الباحث لدى “مجموعة الأبحاث والمعلومات المرتبطة بالسلم والأمن (غريب)” في بروكسل دوني جاكمان بأن الرأي العام “يتعب سريعا”، مشيرا إلى أن “القيام بحملة بناء على حرب اليمن هو أمر معقد”. وتقود الرياض منذ 2015 تحالفا عسكريا يضم بشكل أساسي دولة الإمارات لدعم السلطات الشرعية اليمنية ضد المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران الذين سيطروا على مناطق شاسعة في البلد بقوة السلاح.

واتخذت الحرب التي يخوضها التحالف في اليمن بعدا متصلا بتأمين المصالح الدولية وحفظ الأمن الإقليمي والعالمي. فبالإضافة إلى تصدّي التحالف لمحاولة الحوثيين ومن خلفهم إيران السيطرة على الممر البحري الواقع قبالة اليمن، ومن ضمنه مضيف باب المندب الاستراتيجي الذي ينقل عبره بشكل يومي نفط منطقة الخليج صوب الأسواق العالمية، تصدّى التحالف بالتوازي مع ذلك لتنظيم القاعدة ومنعه من استغلال الأوضاع اليمنية للتمركز في اليمن.