قصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكشف عيوب السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، حيث يأمل البعض في أن توفر ألمانيا القيادة التي يحتاجها الاتحاد الآن.
 
حاول الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير تبديد مخاوف الدول الصغيرة في الاتحاد الأوروبي من تزايد الهيمنة الألمانية عقب خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، فيما تتوجّس أيضا فرنسا من تغوّل ألماني قد يعزز مستقبلا، إذا ما نجح المرشح الألماني مانفريد فيبر في رئاسة المفوضية الأوروبية.
 
وقال شتاينماير الجمعة خلال زيارته للعاصمة السلوفينية ليوبليانا إن بلاده قوة اقتصادية كبيرة في أوروبا بالتأكيد، مضيفا “لكن كونوا متأكدين من أننا نعلم تماما مدى اعتمادنا على الأعضاء الآخرين”.
 
وذكر الرئيس أن الاقتصاد الألماني يعتمد على التجارة الحرة مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، معربا عن أمله لذلك في ألا يتسبب خروج بريطانيا في أي قلق من هذا النوع.

وفي المقابل، أكد شتاينماير أنه لا يوجد عضو في الاتحاد الأوروبي قادر بمفرده على حل مشكلات مثل حماية المناخ والبيئة أو الرقمنة أو الهجرة أو القضايا الأمنية، مؤكدا أنه نظرا إلى التحديات العالمية الكبرى لا يمكن حلّ هذه المشكلات إلا على نحو توافقي ومشترك.

وقال الرئيس الألماني الخميس، إن هناك تشككا واضحا في أجزاء من الدول الواقعة جنوب شرق أوروبا تجاه الاتحاد الأوروبي، موضحا أنه كان من المهم بالنسبة له التواجد في شرق أوروبا قبل الانتخابات.

ويشير مراقبون إلى أن جولة الرئيس الألماني في شرق أوروبا لا يمكن فصلها عن حشد الدعم للمرشح الألماني لرئاسة المفوضية الأوروبية مانفريد فيبر، إذ يعقد زعماء الاتحاد الأوروبي في الثامن والعشرين من مايو الجاري جلسة لتغيير قادة التكتل.

ويسعى مانفريد فيبر، مرشح المحافظين الأوروبيين في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلى منصب رئيس المفوضية الأوروبية، خلفا للرئيس الحالي جان كلود يونكر. وتكشف قصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عيوب السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، حيث يأمل البعض في أن توفر ألمانيا القيادة التي يحتاجها الاتحاد الآن.

ويتزامن قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي مع التحولات الجيواستراتيجية الأساسية التي ستؤثر عميقا على مستقبل أوروبا، فيما سيكون دور ألمانيا حاسما في تشكيل استجابة الكتلة لهذه التحولات.

ويكمن التحوّل في تلاشي العلاقة الفرنسية الألمانية، والتي أهملها تحالف اليمين الوسط بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. واعتادت هذه العلاقة أن تلعب دور المحرك للتكامل الأوروبي، وهو دور سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حفظه، خاصة على مستوى الجبهة الاقتصادية والسياسية، منذ أن أصبح رئيسا لفرنسا.

وحتى إذا كانت وجهات نظره لا تتوافق مع رؤى ميركل، كان من الممكن أن تقدم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعض الأفكار حول مستقبل أوروبا، حيث كانت استجابة وريثتها المنتخبة، أنغريت كرامب كارينباور التي أصبحت الآن زعيمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا، لمقترحات ماكرون سطحية.

وبالنسبة لماكرون، يجب أن يُنشئ الاتحاد الأوروبي مؤسسات مركزية قادرة على الدفاع عن المواطنين ووضع معايير تنظيمية مشتركة ويؤكد أن الاتحاد الأوروبي ليس مجرد سوق، رغم أن التجارة هي التي جمعته.

ويعتبر الرئيس الفرنسي الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي يتكون من أشخاص وقيم يجب حمايتهم، لكن من الناحية الاقتصادية، لا يتناول مسألة إدارة منطقة اليورو، حيث يقترح مراجعة بعض أنظمة السوق الموحدة.

ويرى أن إصلاح السياسة المتعلقة بالمنافسة الداخلية والتجارة الخارجية أمر ضروري. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد على ضرورة تعزيز أوروبا لسياسة ضريبية موحدة وقياسية، مع سياسة عبر وطنية لحماية العمال.

وفي المقابل تقترح أنغريت كرامب كارينباور التي انتخبها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا زعيمة له، رؤية بديلة للتجمع الأوروبي. وتعتبر “المركزية الأوروبية، والدولانية الأوروبية، وجمع الديون، وإضفاء الطابع الأوروبي على النظم الاجتماعية والحد الأدنى للأجور” طريقة خاطئة.

وبالنسبة إلى كرامب كارينباور، لا يجب أن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى دولة أوروبية كبرى لا يمكن للمؤسسات الأوروبية أن تدعي تفوّقها على الجهود التعاونية للحكومات الوطنية.

وتؤكد كرامب كارينباور على ضرورة وقوف أوروبا على ركيزتين متساويتين: النهج الحكومي الدولي وطريقة المجتمع”. ولا ترى ضرورة في تشجيع بناء القدرات المؤسسية في مركز الاتحاد الأوروبي.

وتعتبر المناقشة بين قادة فرنسا وألمانيا مهمة للغاية. ومع ذلك، تبقى الدولتان سجينتين لرؤى ثابتة لعملية التكامل. بالنسبة إلى ماكرون، تكمن الضرورة في بناء سيادة الدولة في بروكسل، بينما ترى كرامب كارينباور سبل تحقيقها في الحفاظ على سيادة العواصم الوطنية.

ويقول المحلل البلجيكي لوكي فان ميدلير “إن إرادة ماكرون في إعادة بناء أوروبي لم تجد أي صدى خارج فرنسا”، فيما تتحفظ ألمانيا على جزء كبير من الخطة الفرنسية لإعادة إصلاح أوروبا.

وإذا لم تعمل برلين وباريس معا لتوجيه الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج للتأقلم مع التحولات الجيواستراتيجية العالمية، ولسد الثغرات الخطيرة في سياسة الأمن والدفاع في أوروبا، فمن هي الحكومات التي ستقدر على تحمل هذه المسؤولية الهامة؟

وبينما يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بناء قدراته المؤسسية في مركزه، يحتاج أيضا إلى دول أعضاء تتمتع بقوتها المؤسسية. هناك حاجة إلى اتحاد فيدرالي لإصلاح تقسيم أوروبا. ولا يجب السعي إلى تأسيس دولة أوروبية أو رابطة لدوله. يتطلب العالم الجديد أفكارا جديدة لا تبدو أوروبا قريبة من التوصل إليها في الوقت الحاضر.