عندما يتحدث الوزير جبران باسيل عن الأنبياء والقديسين!!
 

هذه الأرض التي أثمرت أنبياء وقديسين، لن يحلّ فيها لا لاجئ ولا نازح ولا فاسد.

هذا القول لوزير خارجية لبنان جبران باسيل، وينُمّ عن لهجة عنصرية واستعلائية واستفزازية ضدّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وضد النازحين السوريين، و"الفاسدين" اللبنانيين. 

الفاسدين الذين لا ينتمون "بالطبع" للتيار الوطني الحر الذي يرأسه معالي الوزير جبران باسيل، إنّهم "الأغيار" حسب العقيدة اليهودية التي تُميّز بين شعب الله المختار والاغيار الذين نبذتهم العناية الإلهية.

إقرأ أيضًا: إهانات ترامب للسعودية ومقتل الخاشقجي

وإذ نلاحظ أن لا جديد في حملة الوزير باسيل الاستفزازية ضدّ النزوح السوري واللجوء الفلسطيني، إلاّ أنّه هذه المرة كشف عن جهلٍ مُعيب بسيرة الأنبياء والقديسين، والذين ليس منهم إلاّ من هو لاجئ أو نازح أو ضارب في أرض الله الواسعة، فالنبي موسى (ع) ألقتهُ أمُّه في اليمّ حتى انتهى عند عدوه فرعون مصر، والسيد المسيح عليه السلام وُلد في مغارة على القشّ وساح في البلاد والبراري والقفار ومات على الصليب، والنبي محمد ابن عبدالله (ص) قاسى أنواع العذاب مع أصحابه في مكة من قومه وأهله، حتى نزح ولجأ و"هاجر" إلى يثرب طلباً للعون والأمان. سنقتصر على أنبياء العزم هؤلاء طلباً للاختصار، ذلك أنّه ما من نبيٍّ إلاّ واضطُهد أو عُذّب أو نُفي حتى قيل: "لا كرامة لنبيٍّ في وطنه".

أمّا أحوال القديسين فأدهى وأمرّ، فهم في طليعة النازحين واللاجئين، إلاّ أنّ عمى البصيرة عند الوزير باسيل أصعب من عمى النّظر، فالقديس مكسيموس المعترف مثلاً (وُلد في القسطنطينية عام ٥٨٠م)، عمل في روما وألّف في الرّد على أنصار القول بوحدة "المشيئة"، فاعتُقل هناك سنة ٦٥٣م وحُمل إلى القسطنطينية، وعندما أمر الامبراطور قسطنطين الثاني بوضع صيغة جديدة للعقيدة عُرفت بالنموذج (التّيبوس)، وتفرض الامتناع عن كلّ إشارة إلى المشيئة في المسيح، وطُلب من القديس مكسيموس أن يوافق عليها ويعترف بصحّتها فأبى، فنُفي سنة ٦٥٥م، وحاولوا إقناعه مرةً ثانية فلم يُفلحوا، حتى صدرت الأوامر بقطع لسانه ويده اليُمنى.

إقرأ أيضًا: عند انهيار الدولة، على من سيتّكئ حزب الله؟

أمّا القديس يوحنا الذهبيّ الفم كما أحبّ أنصاره أن ينادونه (ولد سنة ٣٥٤م، وكان واعظ أنطاكية الأوحد لمدة اثنتي عشرة سنة، حتى عُيّن بطريركاً على القسطنطينية.. ولم يسلم أواخر أيامه من الاضطهاد والنّفي، فنُفي أولاً إلى برج "قوقوزا" في أرمينيا الصغرى، ثمّ إلى جبال القوقاز، ومات في " تومانا" من أعمال إقليم النبطس يوم ١٤ أيلول سنة ٤٠٧م من المشاقّ التي كان قد كابدها في سفره هذا. 

في الضفة الإسلامية، نفى الخليفة الثالث عثمان بن عفان الصحابيَّ الجليل أبي ذرّ الغفاري إلى بلاد الشام لاعتراضه على توزيع الفيئ والمغانم على حاشية الخليفة، حيث مات غريباً طريداً منفيّا.

أمّا في مسائل فساد الطبقة السياسية في لبنان، فالصّمتُ أبلغ من الكلام، ذلك أنّ الفساد يعُمّ هذه الطبقة من أولها إلى آخرها، ولعلّ الوزير باسيل يأتي في أولها، أو في أحسن الأحوال في وسطها، حتى بات اللبنانيون يتمنّون أن يحلّ بين ظهرانيهم كلّ يوم ألف نازحٍ سوري ولا يبقى في سدّة المسؤولية مسؤولٌ فاسدٌ واحد.