تتركز الأنظار على مؤدّيات الضغط الأميركي على إيران وما يمكن أن ينتج عنه من تحوّلاتٍ تبدِّل المشهد في المنطقة رأساً على عقب في ظل تساؤل أساس هل ستنسحب التحوّلات الخارجية على لبنان؟
 

لا ريب أن في حال واصلت الولايات المتحدة الأميركية ضغطها على إيران فإنّ الأخيرة ستكون ملزمة الجلوس الى طاولة المفاوضات من أجل الالتزام بالشروط الدولية حول دورها في المنطقة وتسلّحها النووي، خصوصاً انّ الخيارات الأخرى، أكانت عسكرية أم ممانعاتية، تعدّ انتحارية، إنما ستحاول طهران بلا شك ممارسة هوايتها المفضلة باللعب على حافة الهاوية، ولكنها سستتجنّب بالتأكيد السقوط في الهاوية، وبالتالي في حال واصلت واشنطن ضغطها وسعيها لتغيير الدور الإيراني فإنّ المنطقة مرشحة للدخول في مرحلة جديدة شكلاً ومضموناً، خصوصاً أنّ العنوان الأساس يتمحور حول السلام العربي-الإسرائيلي والفلسطيني-الإسرائيلي.

وبمعزل عن طبيعة «صفقة القرن» ومضمونها الذي لا يوحي حتى اللحظة بالسلام العادل والمتوازن، ولكن هذا لا ينفي أنّ الاستعدادات تتواصل على قدم وساق وصولاً إلى هذه اللحظة التي تتواكب مع ضغوط شديدة على طهران لمنعها من تعطيل هذا المسار في موازاة العمل على تعطيل دورها الإقليمي، وبالتالي في حال لم يطرأ ما يفرمل الدينامية الأميركية فإنّ المنطقة مرشحة لأن تكون أمام مشهد جديد في الأشهر المقبلة.

ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه على هذا المستوى: هل التغيير في الدور الإيراني سينسحب تغييراً على دور «حزب الله»؟ وما هو حجم هذا التغيير وهل سيقتصر على دوره العسكري أم يطاول دوره السياسي؟ وما تأثير هذا التغيير على التوازنات القائمة والتسوية الموجودة؟

إنّ أيَّ تغيير في الدور الإيراني سينسحب حكماً على دور «حزب الله» في لبنان والذي يعدّ في طليعة الأدوار الإيرانية ومقدمها، وليس فقط لأنه الأقدم والأبرز والأكثر تنظيماً، بل نسبة الى دوره في النزاع العربي - الإسرائيلي والذي مكّن طهران من الإمساك بهذا الملف النزاعي، وبالتالي أيّ تسوية مع المركز ستشمل الفروع ولن يكون في إمكان الحزب أن يواصل دوره المقاوم بمعزل عن طهران، خصوصاً أنّ التركيز الأميركي عليه لا يقلّ عن التركيز على طهران مع فارق أن القرار الأميركي هذه المرة يكمن في التصويب على إيران من أجل سلة متكاملة وحلّ شامل للأزمة في المنطقة.

وفي حال دخول إيران في التسوية وجلوسها الى طاولة المفاوضات، وهذا ما هو مرجّح، فإنه يصعب أن يكون المشهد انقلابياً على غرار أيّ مشهد ينتج من حرب يخرج منها فريق منتصر وآخر خاسر، كونها ستفاوض وتمارس هوايتها الثانية المفضلة في المناورة وتتمسك استطراداً بأوراق قوتها في المنطقة لجهة نفوذها وتأثيرها وشراكتها ودورها، ويرجح أن لا تلقى ممانعة أميركية طالما أنّ دورها سيكون تحت سقف الشرعية الدولية، ولن يكون معطلاً ومعرقلاً للمسار الجديد في المنطقة.

ومعلوم أنّ الدول الكبرى، وفي طليعتها واشنطن، تفضِّل إدارة التوازنات بين الدول الإقليمية وأدوارها على أن تضع كل أوراقها في يد دولة واحدة او محور واحد، وبالتالي من مصلحتها الحفاظ على التوازن السني-الشيعي والسعودي-الإيراني في موازاة حرصها على الدور الإسرائيلي، وكل ذلك طبعاً تحت سقف رؤيتها العامة للمنطقة وعدم الخربطة على هذه الرؤية، وفي حال صحّ ذلك فإنّ المنطقة ستكون أمام مشهد متوازن لا انقلابي.

وبالانتقال إلى لبنان فإنّ حدود تأثُّر «حزب الله» سيكون بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية ومواصلة عمله السياسي من دون الشق العسكري والمقاوم، هذا الشق الذي لا يمارسه الحزب منذ حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701، فيما الشق العسكري مارسه جزئياً في الداخل اللبناني في 7 أيار 2008 وفي الحرب السورية، وتحوّل تأثير سلاحه في المعادلة اللبنانية تأثيراً معنوياً لا عملياً، فهناك مَن يتأثر بهذا السلاح وهناك مَن لا يتأثر، فضلاً عن انّ قوته داخل النظام ليست متأتية من سلاحه، إنما من إقفاله وحركة «أمل» الساحة الشيعية نيابياً.

وعليه هناك مَن يتوقع، في حال نجحت واشنطن بإلزام طهران بتغيير دورها، أن ينقلب المشهد في لبنان رأساً على عقب، وأن تسقط التسوية القائمة، ويدخل البلد في هندسة جديدة وترتيب جديد، وهذا التوقع في الحقيقة في غير محله، فالخروج السوري من لبنان مثلاً لم يبدٍّل المشهد رأساً على عقب، وقد شكل التحالف الرباعي جسر العبور للمرحلة الانتقالية الجديدة، والتبدّل الوحيد الذي نجم من الخروج السوري كان داخل البيئة المسيحية والتحوّل في الخطاب السياسي، فيما البيئات الإسلامية استمرت على ما عليه.

وتسليم «حزب الله» سلاحه لا يعني نهاية الحزب الذي سيحافظ حتماً على شعبيته داخل طائفته، خصوصاً في ظل غياب خصوم تاريخيين أو شخصيات وقوى لديها القدرة على منافسته، والرهان على أيّ تغيير داخل هذه البيئة يستلزم وقتاً طويلاً، وما يصحّ على الحزب ينسحب على حركة «أمل» مع تسليم سلاحها و«القوات اللبنانية» و«الإشتراكي»...

والخلاف مع «حزب الله» ليس على تمثيله ودوره الداخلي وحقه الطبيعي في ممارسة دوره السياسي، إنما الخلاف يتمحور حول امتلاكه للسلاح خارج إطار الدولة التي وحدها يجب أن تستحوذ على هذا السلاح وعلى القرار الاستراتيجي، ولن يكون لبنان أمام وصاية خارجية مثلاً تعمد إلى حلّ «حزب الله» على غرار حلّ النظام السوري لـ«القوات اللبنانية» وإدارة الحكم في لبنان بنحو غير متواز، فضلاً عن أنّ جلّ ما تريده القوى السياسية المحلية من الحزب الالتزام بالدستور ودور لبنان وتحقيق المساواة، فيما الجميع يدرك أنّ أيّ حلّ غير متوازن قد يدخل لبنان في حرب أهلية، الأمر المرفوض لبنانياً وعربياً ودولياً.

فلا انهيار للتسوية القائمة التي ستشكل حاجة محلية وخارجية من أجل إدارة المرحلة الانتقالية وتجنيب لبنان الفوضى، فضلاً عن أنّ ايّ انتخابات نيابية ستعيد فرز القوى السياسية نفسها مع فروقات بسيطة ومع إقفال الثنائي الشيعي للساحة الشيعية مجدداً، حيث إنّ التعاطف معه سيكون أكبر وأوسع، كما أنه بدأ التمهيد لدوره الجديد المتصل بالإصلاح ومكافحة الفساد.

فالتبدل الإقليمي سيستتبع حُكماً تبدّلاً في دور «حزب الله» من دور إقليمي إلى دور محلي، ومن دور خارج الدولة إلى دور داخل الدولة، ولكن لن يستتبع أيّ تغيير في المشهد السياسي ولا في توازناته الوطنية والميثاقية واستطراداً الحكومية والنيابية.