لا يكفي أن تنسحب إيران من العراق ولبنان وسوريا واليمن مظهريا لتنعم المنطقة بالسلام. عليها من أجل أن تنعم بالسلام أن تنظف المنطقة من ألغامها.
 

لا تحتاج إيران إلى مَن ينصحها بأنها ستخرج خاسرة بل ومدمرة إذا ما لجأت إلى خيار الحرب أو فضلته في نزاعها مع الولايات المتحدة.

أما فكرة الحرب بالوكالة فإنها لن تنطلي على أحد. فإيران ستكون مسؤولة عن أي إزعاج يتسبب به حزب الله أو ميليشيات الحشد الشعبي في العراق لأهداف أو مصالح أميركية في المنطقة. ذلك لأن قوة كبرى مثل الولايات المتحدة لن تشغل نفسها في الرد على عدد من قطاع الطرق، بل ستلجأ إلى ضرب العقل المدبر الذي يقف وراء جرائمهم.

الولايات المتحدة واضحة في رسالتها، ويبقى على إيران أن تفهم مضمون تلك الرسالة. وهي (أي إيران) إن كانت في الماضي تراهن على إحداث فوضى في المنطقة من خلال أذرعها في سياق نزاعها مع الولايات المتحدة فإن التوضيح الأميركي جاء هذه المرة حازما وصارما. لن يكون هناك أي نوع من التراخي. هناك قوة أميركية في الخليج وفي البحر المتوسط وفي قواعد عسكرية في المنطقة جاهزة للرد داخل الأراضي الإيرانية، بغض النظر عن الجهة التي قامت بالاعتداء، إيرانية كانت أم تابعة لإيران.

في الخطاب الرسمي الإيراني الآن ليس هناك ما يوحي بالرغبة في المغامرة. لقد خفت الصوت العقائدي الذي كان ينادي شعبويا بـ”الموت لأميركا”. غير أن إيران الرسمية لا تزال بعيدة عن فهم أبعاد الموقف الكارثي الذي انتهت إليه، بحيث يمكن توقع حدوث خطأ من جانب الحرس الثوري قد يؤدي إلى أن تنفتح أبواب الجحيم أمام إيران.

ما صار على إيران أن تفهمه أن ليس أمامها فرصة للمناورة. ليس هناك هامش للهرب. صار عليها أن تواجه الحقائق التي عملت على تكريسها وترسيخها عبر أكثر من عقدين من الزمن. تلك حقائق صار المجتمع الدولي على اطلاع عليها، وسبق له وأن أبدى استعداده لطي صفحتها إذا ما أظهرت إيران نوعا من حسن النية وتعاونت معه من خلال إنهاء مشروعها التوسعي “الاستعماري” في المنطقة.

يمكن لإيران أن تخرج سالمة من النزاع إذا ما قررت إنهاء احتلالها غير المباشر للعراق ولبنان، وتدخلها المعلن في اليمن وسوريا. وهو مطلب لن يكون صعبا إذا ما عرفنا أن البديل سيكون دمار إيران.

فوفق التحركات العسكرية الأميركية الأخيرة التي سبقتها قرارات سياسية كبيرة، فإن هامش اللعب بالنسبة لإيران صار ضيقا إلى درجة يمكن القول من خلالها إن إيران إذا لم تستدرك أخطاءها فإنها ستضع أربعين سنة هي عمر نظامها في الفراغ. سيكون سقوط النظام الإيراني بداية لحرب أهلية قد لا تنتهي.

ليس هناك شيء من التعويل على العقل الإيراني، ولكن التعويل كله ينصب على الخبث الإيراني.

من المؤكد أن الملالي سيدركون أن بقاءهم في السلطة أفضل من مغامرة الإصرار الغبي على مواجهة، ستنتهي بهزيمتهم وخسارة السلطة. لذلك فإنهم سيختارون الانحناء أمام العاصفة وهم يعرفون أن أحدا في العالم لن يقف معهم إذا ما وقعت الحرب. لقد ادخروا عدتهم كلها من أجل حروب صغيرة، تقع خارج إيران، وهم ليسوا على استعداد للتضحية بإيران من أجل تلك الحروب الصغيرة.

الإيرانيون أكثر خبثا من أن يؤخذوا ويُجرّوا إلى حرب تقضي عليهم من أجل شيعة لبنان والعراق. لقد أنجزوا في البلدين ما كانوا قد خططوا له. تركوا هناك ميليشيات طائفية تدين لهم بالولاء ستؤدي واجبها في إجبار المجتمع الدولي على التفاوض مع إيران من أجل احتوائها.

ستكون تلك هي خطة إيران في مواجهة اللحظة الأخيرة في النزاع. ولكنها خطة مكشوفة.

وهو ما تضمنه التحذير الأميركي. ذلك لأن مخلفات إيران هي أشبه بالألغام التي يجب اقتلاعها من أجل أن تكون المنطقة آمنة.

لا يكفي أن تنسحب إيران من العراق ولبنان وسوريا واليمن مظهريا لتنعم المنطقة بالسلام. عليها من أجل أن تنعم بالسلام أن تنظف المنطقة من ألغامها.