التهويل الإعلامي في ما يتعلق بـصفقة القرن سابق لأوانه وليس في محله الآن. ذلك لأن معطيات كثيرة ستتغير إذا ما نجحت الولايات المتحدة في إنهاء الهيمنة الإيرانية في المنطقة.
 

إذا ما أنجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعده بتحجيم إيران وإنهاء هيمنتها في المنطقة فإنه يكون قد حقق واحدة من المعجزات. من خلالها تلتفت إيران إلى شؤون شعبها ويتمكن العرب من التفرغ لإدارة قضاياهم المزمنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بطريقة تضمن لهم الحفاظ على حقوقهم.

من غير ذلك فإن إسرائيل ستظل متمسكة بحلولها التي ليست منها إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين. وفي ذلك تستند إسرائيل إلى ما يمثله أتباع إيران في حزب الله وحركة حماس من خطر وهمي على بقائها.

تتحجج إسرائيل بمسألة إبعاد الخطر الإيراني عن حدودها فتلجأ إلى إلغاء الخطط التي سبق الاتفاق عليها لإقامة الدولة الفلسطينية التي نصت عليها القرارات الدولية. وهو ما يُظهرها بمظهر الضحية التي تدافع عن نفسها في مواجهة عدو مباشر، تتطلب مواجهته اللجوء إلى اتخاذ أي إجراء، من شأنه أن يوفر لها السلامة حتى لو جاء ذلك الإجراء على حساب القرارات الدولية التي وُضعت أصلا من أجل ضمان سلامة الدولة العبرية.

إسرائيل التي تظهر ضيقها من مسألة التسلح الإيراني هي أكثر المستفيدين من المشروع الإيراني في التغلغل في المنطقة. فذلك التغلغل يطلق يدها ويجعلها تفعل ما تشاء، غير ملتزمة بأي اتفاق مسبق مع العرب، وهو من جهة أخرى يجعل العرب عاجزين عن مواجهتها بعد تفرغهم لمواجهة عدو غير متوقع، صار قادرا على زرع ألغامه داخل أراضيهم.

سينهي تحجيم إيران كل هذه الهرطقات. سيكون هناك حزب الله. ولكنه سيكون مجرد ميليشيا لبنانية لا تتطلب مواجهتها الدخول في حرب. أما حركة حماس فإنها لن تحظى باهتمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا ما تعذر على دولة قطر أمر دعمها.

الخلل الذي أحدثته الهيمنة الإيرانية في موازين القوى في المنطقة يمكن استدراكه إذا ما انتهت تلك الهيمنة. لذلك يمكن القول إن صفقة القرن التي تروّج لها الإدارة الأميركية لن تكون ملزمة لأحد. فهي تتناقض، كليا، مع الواقع الذي يمكن أن يظهر بعد غياب إيران من المعادلة.

لقد اعتمد مصممو صفقة القرن على الضعف العربي باعتباره حالة دائمة. وهو قرار غير صحيح. فذلك الضعف لم يقع إلا بسبب التراخي في الموقف الأميركي الذي سمح لإيران بالتمدد في المنطقة، وهو ما دفع بدول مثل السعودية والإمارات والكويت والبحرين إلى أن تلتفت كليا إلى الخطر المباشر الذي تمثله إيران.

أما إذا انزاح ذلك الخطر فإن التفكير في القضية الفلسطينية سيكون له شأن آخر. وهو ما لا يمكن أن يتفق مع مزاج مصممي صفقة القرن. غير أنهم سيأخذونه في نظر الاعتبار إذا ما تحول إلى قوة ضغط واقعية.

ستكون لدى العرب وقتها فسحة من الوقت للتفكير في ما تتطلبه لحظة تاريخية، كانوا قد انتظروها طويلا. وهي لحظة الحل النهائي لقضيتهم المركزية في فلسطين.

يومها لن يكون في إمكان الإدارة الأميركية إملاء خطتها التي هي نسخة من الخطة الإسرائيلية التي تستند إلى الرغبة المبيتة في القضاء على ثوابت الحق الفلسطيني.

كل شيء سيتغير بعد انتفاء الحاجة إلى مواجهة الخطر الإيراني.

وليس مستبعدا أن تتردد الولايات المتحدة في طرح مشروعها “صفقة القرن” أو أن تدخل الكثير من التعديلات عليه، في محاولة منها لاستمالة الطرف العربي الذي يكون حينها قد استعاد توازنه.

لذلك أرى أن التهويل الإعلامي في ما يتعلق بـ”صفقة القرن” سابق لأوانه وليس في محله الآن. ذلك لأن معطيات كثيرة ستتغير إذا ما نجحت الولايات المتحدة في إنهاء الهيمنة الإيرانية في المنطقة.

إن ما يصرح به الأميركان من أفكار لن يكون ملزما لأحد إذا ما استعاد العرب قدرتهم على أن يكونوا الطرف القوي المناسب في الحوار.