تصاعد الخلافات بين القياديين في حزب العادلة والتنمية والرئيس أردوغان بسبب سياساته التي أضرت بتركيا على مختلف الأصعدة.
 
قوبل إلغاء اللجنة العليا للانتخابات نتيجةَ انتخابات مدينة إسطنبول بانتقادات من داخل حزب العدالة والتنمية. وغرّد الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، ورئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو، على حسابيهما في تويتر ضد هذا القرار، في خطوة تُخرج للعلن التوتر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغول وأوغلو وتؤكد ما يروج عن انقسامات داخل حزب العدالة والتنمية.
 
في الأنظمة الديمقراطية، يعتبر مثل هذا الانتقاد بين الأعضاء في نفس الحزب أمرا طبيعيا وحيويا، لكن بالنسبة للنظام التركي، الذي يحكمه حزب العدالة والتنمية فإن الأمر أشبه بالانقلاب والتمرّد، خاصة أن تغريدتي غول وأوغلو كانتا حول أكثر المواضيع الحساسة بالنسبة لأردوغان، وجاءت في فترة يسعى فيها العدالة والتنمية للظهور بمظهر الحزب المتماسك.
 
كانت لجنة الانتخابات استجابت لطلب من حزب العدالة والتنمية الحاكم وألغت نتائج الانتخابات البلدية التي أجريت في 31 مارس الماضي، وذلك بعد أن خسر مرشح الحزب، رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، أمام مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو. واتهمت المعارضة أردوغان بأنه مارس علنا ضغطا على لجنة الانتخابات لإلغاء النتيجة.
 
ووقف عبدالله غول، الذي عارض أيضا استفتاء أبريل 2017 وحصل ووسع بمقتضاه أردوغان من صلاحياته الرئاسية، في صف المعارضين وقال في تغريدته “للأسف، لم نحرز أقل قدر من التقدم”.
 
وشبه غول الوضع بقرار للمحكمة العليا عام 2007 منعه من أن يكون رئيسا للبلاد من دون غالبية الثلثين في البرلمان. وكتب على تويتر «الذي شعرت به في 2007 (...) هو ما شعرت به أمس عندما قامت محكمة عليا أخرى، هي المجلس الأعلى للانتخابات، باتخاذ قرارها».
 
وكانت تصريحات أحمد داود أوغلو أكثر إثارة للجدل وتأكيدا على الخلاف بينه وبين أردوغان. وغرّد أوغلو قائلا إن “الانتخابات النزيهة مرساة للديمقراطية ولشعور المواطنين بالانتماء”، مضيفا أن قرار لجنة الانتخابات “يتعارض مع القانون والتقاليد الراسخة وينتهك هذا الشعور”.

تأتي هذه التغريدات غداة تقارير تحدثت عن تصاعد الخلافات بين القياديين في حزب العادلة والتنمية والرئيس أردوغان بسبب سياساته التي أضرت بتركيا على مختلف الأصعدة. وذهبت بعض التقارير الإعلامية إلى القول إن أحمد داود أوغلو يفكر منذ فترة في إنشاء حزب جديد يمكن أن ينافس حزبه الحالي، العدالة والتنمية.

وقال حسن أوزتورك، الصحافي بجريدة يني شفق التركية المقربة من الحكومة، إن تركيا ستشهد ولادة حزبين سياسيين جديدين، على أيدي منشقين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، مشيرا إلى أن الحزب الأول سيؤسسه أحمد داود أوغلو، فيما سيعمل غول على تأسيس حزب مستقل. وسيضم الحزبان نخبة من قادة العدالة والتنمية المخضرمين الغاضبين على سياسات أردوغان، ما يمكن أن يقلص قاعدة الناخبين الضخمة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية.

وليس هناك ما يقلق أردوغان في هذه المرحلة أكثر مما تقلقه مثل هذه التصريحات، وعودة غول وأوغلو إلى المشهد السياسي، حيث الأرضية ملائمة لتوفير أسباب التقدم والنجاح على حساب أردوغان الذي تراجعت شعبيته في الداخل والخارج، وتعقد الوضع إلى درجة أن الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها قد يأتي يوم ولا تفيده.

وقبل الانتخابات الرئاسية والعامة العام الماضي تحدثت تكهنات عن احتمال ترشح غول ضد إردوغان، لكن هذا لم يحدث نتيجة ما أسماه  غول غياب الإجماع الواسع”.

وقال “إنني وصلت إلى أعلى ما يستطيع المرء الوصول إليه، ولست راغبا في العودة إلى رئاسة تركيا”، فيما يرى خبراء أن الموقف الأخير من إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول قد يغير كل المعادلات.

أما داود أوغلو، فجاء ظهوره الأبرز منذ ترك منصبه قبل ثلاثة أعوام، مع صدور نتائج الانتخابات البلدية، حيث انتقد في 22 أبريل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعاون حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، المنتمي إلى اليمين المتطرف، وقال إن هذا التعاون أحد أسباب الهزيمة الانتخابية في إسطنبول.

ووجه داود أوغلو انتقادات حادّة لحزب العدالة والتنمية وأدائه الضعيف، وانتقد سياسات الحزب الاقتصادية والقيود التي يفرضها على وسائل الإعلام والضرر الذي قال إنه لحق بالفصل بين السلطات وبالمؤسسات، وهو في ذلك يلتقي بشكل أوضح مع موقف المعارضة.

كان دخان الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية يتصاعد منذ مدة. وعملت مختلف الأطراف على نفي وجودها، إلا أن كافة الدلائل كانت تشير إلى عكس ذلك، وما التصريحات الأخيرة لغول وداود أوغلو إلا جزء مما كان يعتمل في الداخل وخرج إلى العلن.

ويرى مايكل ماكنزي، الكاتب في موقع أحوال تركية، أن هذه التطورات تؤكد أن حزب العدالة والتنمية أضحى في حاجة إلى رموز الوحدة منذ الحادي والثلاثين من مارس، حين خسر الحزب الحاكم وشركاؤه في حزب الحركة القومية الانتخابات البلدية في أربع من أكبر مدن البلاد بما في ذلك إسطنبول وأنقرة.

ويستحضر ماكنزي تفاصيل حادثة وقعت الأسبوع الماضي على جسر مضيق البوسفور قائلا “كان داود أوغلو حاضرا في الوقت المناسب على أعلى جسر لمضيق البوسفور في إسطنبول، لينقذ رجلا يرتدي قميص حزب العدالة والتنمية والعلم التركي، يبدو أنه كان على وشك أن يقفز من الجسر”.

لم تخف على أحد رمزية هذا المشهد، الذي يرى كثيرون أنه يجسد أزمة العدالة والتنمية الذي يحتاج إلى من ينقذه، بعد أن تحول إلى حزب الرئيس، ولا صوت أو قرار يعلو فوق صوته وقراراته، حتى لو كانت خاطئة وقاتلة.

فريق النخبة
اهتمت الصحافة التركية بالجدل الدائر بين أردوغان وغول وداود أوغلو. ويذكر ماكنزي أن أحد التقارير مضى إلى حد بعيد للغاية ليكشف عن أعضاء “فريق النخبة” الذي يقوده داود أوغلو، ويضم مجموعة من الأشخاص المهمشين في حزب العدالة والتنمية، من بينهم نعمان كورتولموش وبشير أتالاي وحسين جليك وشامل طيار وأحمد باشتشي وسلجوق أوزداغ ومحمد غورماز، الرئيس السابق لإدارة الشؤون الدينية.

وتردد أن عبدالله غول سيشكل حزبه بالتعاون مع علي باباجان، نائب رئيس الوزراء السابق الذي نُسب إليه ما تحقق من نجاحات اقتصادية في المراحل الأولى لحزب العدالة والتنمية. ويدور الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال انضمام اقتصادي بارز آخر -وهو وزير المالية السابق محمد شيمشك المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية- إلى باباجان وغول.

ويبدو أن الرئيس التركي استشعر خطر بوادر الانقسامات الخطيرة التي بدأت تظهر بالفعل على الحزب الحاكم. وتجسد ذلك في خطابه الاسترضائي خلال مراسم الافتتاح الرسمي لمسجد تشامليجا الكبير يوم الجمعة الماضي، إلا أن قرار إلغاء انتخابات بلدية إسطنبول نسف كل الفرص، وقد يكون الثمن -وفق مايكل ماكنزي- تفكك وحدة الحزب الحاكم، التي كانت دوما أحد مواطن قوته الكبرى.