ليس من المستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد أدركت أنها كانت على خطأ، وهي اليوم تسعى إلى تصحيح ذلك الخطأ. ولا شيء له علاقة بالموقف من الإسلام.
 

في ظل الفوضى الدعائية التي تحرسها أموال عربية فائضة ليس من المستغرب أن يعتبر إعلاميون مجندون جماعة الإخوان المسلمين مؤسسة إسلامية مرموقة يليق بهم الدفاع عنها في مواجهة قرار أميركي متوقع يقضي بتصنيفها منظمة إرهابية.

قبل التلويح بذلك القرار كانت تلك الأصوات تدافع عن حق الجماعة في استرداد الحكم في مصر، كونها من وجهة نظرهم جهة شرعية أطيح بها، بغض النظر عن موقف الشعب المصري الرافض لاستمرار حكم الإخوان.

اليوم وأمام خطر الإزالة التي يمثلها تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، توضع مسألة إزاحة تلك الجماعة عن الحكم على الرف لكي لا يؤدي الخلط بين المسألتين إلى استفزاز جهات لا تزال مترددة في الانضمام إلى الأصوات المنادية بحرمان الإخوان من العمل السياسي.

يبدو الأمر في سياق الدفاع عن الجماعة كما لو أنه محاولة للإساءة إلى حرية التعبير من خلال حرمان مؤسسة دينية “نظيفة ونزيهة” من حقها الوجود الفكري والتعبير عن أفكارها المستلهمة من تعاليم الدين الإسلامي.

في ذلك المنطق كثير من الرياء الذي يهدف إلى إخفاء الطابع السياسي القائم على استعمال العنف لجماعة الإخوان المسلمين والتستر على حقيقة ارتباطها بالإرهاب الذي شهدته المنطقة من خلال الجماعات المسلحة التي تدين بالولاء لأفكارها.

ذلك المنطق يهدف إلى الإعلان عن أن الحرب على الجماعة هي حرب على الإسلام. وهي فرضية سبق للإخوان من خلال سلوكهم العملي أن فندوها.

فالإسلام عقيدة دينية سلمية، أما جماعة الإخوان فإنها تعمل في السياسة سعيا منها للوصول إلى الحكم، حتى لو تم ذلك عن طريق استعمال العنف. وهو ما حرصت على تطبيقه يوم أتيح لها حكم مصر، فصارت المدن المصرية أشبه بميادين حرب، يمارس فيها الإخوان تمارينهم في تطبيق شريعتهم بالقوة على المجتمع.

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد تأخرت في حسم موقفها من جماعة الإخوان باعتبارها منظمة إرهابية، فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن دولا ومنظمات في المنطقة وفي العالم قد استفادت من الصمت الأميركي الذي اتخذت منه عنوانا للرضا عن نشاطاتها في تمويل ودعم تلك الجماعة وتجهيزها بوسائل الدعاية، على الأقل بعد هزيمتها الساحقة في مصر.

لقد أخطأت الولايات المتحدة حين صنفت جماعات دينية متشددة كانت قد تعلمت الإرهاب في مدرسة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعات إرهابية ولم تضع جماعة الإخوان ضمنها. فكانت كمَن يحاول قطع الذيول تاركا الرأس يعيش ويخطط وينفذ مشاريعه الإرهابية بسلام.

كانت جماعة الإخوان ولا تزال هي ذلك الرأس المدبر.

وما لم يُقطع ذلك الرأس فإن المنطقة ستكون دائما عرضة لظهور جماعات إرهابية، قد تكون أكثر خطرا من القاعدة وداعش في ظل استمرار التمويل والدعم الإعلامي الذي تتلقاه الجماعة من قبل دول ومنظمات محسوبة، بطريقة أو بأخرى، على الولايات المتحدة.

وبذلك تكون الولايات المتحدة من خلال عزمها على تصنيف الجماعة منظمة إرهابية قد أنقذت نفسها من تهمة رضاها عن تصرفات الدول الداعمة للجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.

فالصمت الأميركي لو استمر كان من شأنه أن يشكل دليل إدانة صريحا.

أما أن يتم الدفاع عن الجماعة من خلال التستر وراء وهم “الحرب على الإسلام” فإنها كذبة لن تنطلي على أحد. ذلك لأن كل الدول والمنظمات العالمية والجمعيات الخيرية المحلية التي استبسلت في دعم الإخوان بالمال والدعاية كانت تمارس نشاطها تحت نظر الولايات المتحدة، فكانت كما لو أنها تنفذ في ذلك تعليمات تصدر من واشنطن.

ليس من المستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد أدركت أنها كانت على خطأ، وهي اليوم تسعى إلى تصحيح ذلك الخطأ. ولا شيء له علاقة بالموقف من الإسلام.