يوم الثلاثاء الماضي، زار الوزير السابق غازي العريضي عين التينة، والتقى الرئيس نبيه برّي. كان لا بدّ من الاستنتاج من هكذا زيارة، أن ثمة حياكة ما يعمل العريضي على خياطتها، خصوصاً بما يخص الأزمة المستجدة بين الحزب التقدّمي الاشتراكي وحزب الله. والعريضي هو نفسه الذي كان يتولى التواصل مع الحزب، لتحسين العلاقات بين الطرفين. وهو أيضاً الذي تلقى الرسالة من المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، بأن اللقاء الذي كان من المفترض أن يحصل في كليمنصو، بين خليل وجنبلاط، قد علّق بسبب موقف جنبلاط من معمل عين دارة، وإلغاء الوزير وائل أبو فاعور قرار الوزير السابق حسين الحاج حسن الذي منح الترخيص للمعمل.

حرص برّي
لم تكن قصة المعمل بالنسبة إلى حزب الله مسألة بسيطة. تعاطى معها الحزب كقضية حياة أو موت، أو بالأصح، تعامل معها وفق منطق الطرف الذي يريد أن يفرض كلمته من دون مناقشة.. حتى أن بعض المعلومات أفادت بأن القرار حول المعمل يعود إلى السيد حسن نصر الله شخصياً. قاطع حزب الله "التقدمي الاشتراكي"، الذي لم يتراجع عن موقفه بشأن المعمل، واختار تصعيداً سياسياً من نوع آخر، ردّاً على كل الحملات التي تعرّض لها. في هذا الوقت، كان العريضي يستغرب مدى انفعال الحزب والوصول إلى القطيعة. بينما اتخذ الخلاف منحى آخر تجلّى بموقف وليد جنبلاط حول مزارع شبعا. وجنبلاط معروف بمواقف من هذا النوع، فهو يطلقها لأنها تحمل أوجهاً عديدة. فهي ليست فقط تتعلق بالخلاف مع حزب الله حول المعمل، بل بتطورات سياسية متسارعة ما بين لبنان وسوريا، ربطاً بأوضاع المنطقة.

ثارت ثائرة حزب الله على موقف جنبلاط فتكرّست القطيعة أكثر، إلى حدّ تسريب كلام بضرورة عزل جنبلاط. في هذا الوقت، كان العريضي يتحرك باتجاه عين التينة، إنطلاقاً من استغرابه التضحية بعلاقة بين حزبين فاعلين بسبب قرار من هنا أو من هناك. كان اللقاء مع برّي الأسبوع الفائت إيجابياً. فرئيس المجلس أبدى حرصه على العلاقة مع جنبلاط، والحرص أيضاً على عدم استهدافه، خصوصاً انه عند كل محطّة تبرز قوى معارضة لرئيس التقدّمي تريد الاستثمار في الحملات التي يتعرض لها. لكن برّي كان واضحاً يومها، موقفه من جنبلاط على حاله. وهو حليف استراتيجي، بغض النظر عن الملاحظات التي لديه على ما أدلى به بخصوص مزارع شبعا.

رسالة جنبلاط
وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن برّي قال في مجالسه إن: "وليد هو وليد، ولا يمكن لأحد أن يخلفني معه، ولا أوافق على ما قاله بخصوص المزارع، لا سيما أن جميع الأفرقاء أقروا بلبنانية مزارع شبعا على طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب بالعام 2006، لكن قد تكون لوليد ظروفه وحيثياته، والتي نتفهمها وسط كل ما يتعرض له. لكن لا يمكن الموافقة على إعادة فتح سجال مزارع شبعا". وفي مقابل معارضة برّي لموقف جنبلاط بخصوص المزارع، كان رئيس المجلس واضحاً لجهة تفّهم البيك بخصوص هواجسه وما يتعرّض له. ويعتبر أيضاً أن معمل عين دارة "لا يحرز" ليكرس قطيعة بين الاشتراكي وحزب الله، في ظل هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد.

العريضي كان واضحاً مع برّي يومها، ومصرّاً على التعاطي بطريقة واقعية، لا ترضخ لكل الحملات التي تشنّ على وليد جنبلاط، وتخونه أو تتهمه بعدم الوطنية، أو بأنه يقدّم مزارع شبعا هدية لإسرائيل بعد الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وقال العريضي يومها، حسب ما تكشف المصادر، كلاماً واضحاً في هذا المجال، مذكّراً بالرسالة التي كتبها جنبلاط على الكتابين اللذين أهداهما إلى وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، ومستشار الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنير، واللتين تضمنتا معارضة واضحة للسياسة الأميركية، ولصفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن أرسل مثل هذه الرسالة لا يمكن أن يتخذ موقفاً بإعطاء المزارع هدية لإسرائيل. بل أوضح العريضي فحوى الرسالة الجنبلاطية، والتي ركّزت على وجوب الانتباه للمزارع من إمكانية شملها مع الجولان، وبالتالي ضمّها لإسرائيل. ما يعني أن أي توتر سيحصل في المنطقة، سيكون لبنان جزءاً منه. فكانت الرسالة بعدم لبنانية المزارع، تهدف إلى تثبيت لبنانيتها، لعدم تركها مجالاً لتوتير الساحة اللبنانية. لكن جنبلاط اختار التعبير على طريقته، لإظهارغضبه بقضايا أخرى. بينما الموقف ثابت ولا يتغير.

لقاء الأحد
على إثر زيارة العريضي إلى عين التينة، وهو الذي يتحرّك في مناسبات شبيهة، على غرار زيارته إلى الضاحية الجنوبية بعد أحداث الجاهلية، كان لا بد من ترّقب لاحتمال تسجيل تقدّم على طريق حلّ الأزمة المستجدة. إذ بدأ برّي مشاوراته مع حزب الله، حول ضرورة حلّ الإشكال وإيجاد الصيغة الملائمة لذلك. في البداية، كان حزب الله رافضاً بشكل قطعي فتح قنوات التواصل مع الاشتراكي. لكن بعض الظروف ومساعي برّي أسهمت في إعادة إحياء العلاقة، ولو اقتصرت على لقاء لـ"تبريد القلوب وكسر الجليد"، وشرح كل طرف لوجهة نظره. انطلق بّري من مبدأ الحرص العلاقات بين القوى الداخلية، خصوصاً في ظل الضغوط التي يتعرض لها حزب الله خارجياً، وبالتالي لا بد من تحصين الوضع الداخلي، ومنع أي طرف من الاستثمار في أي قطيعة أو مواجهة داخلية مع الحزب. وعلى هذا الأساس، وجّه برّي دعوة إلى حزب الله للقاء مع الاشتراكي في عين التينة، فكان لقاء يوم الأحد والذي ضم إلى برّي ومعاونه الوزير علي حسن خليل، كلاً من العريضي وأبو فاعور والحاج حسين الخليل ووفيق صفا.

إلى لقاءات أخرى
في اللقاء، تشير المصادر، إلى أن كل طرف عبّر عن وجهة نظره بصراحة كاملة، خصوصاً الهواجس التي تطبع العلاقة بين الطرفين، وفي مسألة مزارع شبعا. أوضح وفد الاشتراكي حقيقة الموقف ومنطلقه، خصوصاً أن مندرجات الحوار الوطني أكدت لبنانية المزارع، مع وجوب العمل على إثبات ذلك لدى دوائر القرار الدولية. وتوسع النقاش، ليشمل كل الملفات المطروحة بين الطرفين، من معمل عين دارة، إلى ملفات أخرى أكثر خطورة، لها علاقة بالوضع الداخلي الدرزي. واتفق المجتمعون على نقل وجهات النظر إلى قيادات الحزبين، ووقف الحملات التصعيدية. الوزير علي حسن خليل عبر عن وجهة نظره وليس عن فحوى اللقاء، خصوصاً في الموقف من قضية شبعا، فقال "الاجتماع كان إيجابياً، وتركز حول المصالحة"، معتبراً أن "كل القوى أقرت على طاولة الحوار عام 2006 بلبنانية مزارع شبعا. وهذا الموضوع خارج دائرة النقاش". فوفق المصادر، لم يحدث توافق في الاجتماع حول موضوع مزارع شبعا.

أيضاً، لم يصرّح أي من الطرفين بعد اللقاء، وهذه إشارة إلى أن الأمور تحتاج إلى المزيد من النقاش، ولم تنضج تلك المصالحة بعد، ليتم الإعلان عنها. والأكيد ان تثبيتها سيحتاج إلى المزيد من اللقاءت والمشاورات. لذا، باكراً الحديث عن مصالحة كاملة.