قبل ستة أشهر و15 يوماً، وتحديداً في 18 تشرين الأول 2018، كان من المفترض أن يمثل معمل ليبان ليه-كانديا أمام النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم للتحقيق مع القيمين عليه بتهمة تلويث نهر الليطاني، عطفاً على إخبار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وتقريرها الذي يؤكد تسليط المعمل نفاياته الصناعية والصرف الصحي وروث الأبقار إلى النهر مباشرة. وبدل المثول أمام القاضي إبراهيم، استمهل مالكو المعمل، ومن بينهم النائب نبيل دو فريج ورئيس مجلس الإدارة محمد زيدان وشريكهم بنك عودة. وفوجئ اللبنانيون بهم "يمثلون" في السرايا الحكومية بعد أربعة أيام، بتاريخ 22 تشرين الأول 2018، بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري يرعى احتفالية "مصالحة" تقضي بمنح المعمل مبلغ مليوني دولار وعقده اتفاقاً مع شركة "LWR" الكندية لإنشاء محطة تكرير للمعمل لتنقية نفاياته الصناعية ومعالجة البيولوجية منها. القاضي إبراهيم، ووفق ما أكد ل"المفكرة" منح المعمل، وبناء على تعهده في السرايا الحكومية وأمامه، "مهلة شهر إلى شهرين لإنشاء بركة تجميع نفاياته الصناعية والتوقف عن تلويث الليطاني بانتظار تركيب محطة التكرير الصناعي". المال الممنوح للمعمل هو قرض من البنك الدولي بقيمة 18 مليون دولار خُصصت لأكبر مصانع متهمة بتلويث الليطاني في البقاع ومنها ليبان ليه، لمعالجة تلوثها بفائدة صفر في المئة، في إطار مشروع مكافحة التلوث البيئي في لبنان.

أمس، في 2 أيار 2019، وإثر انعقاد جلسة محاكمة الصناعيين الملوثين في قضاء بعلبك بتاريخ 30 نيسان 2019، ومن بينهم معمل ليبان ليه، حصلت المفكرة على فيديوهات وصور وتقرير حديث إثر كشف مندوب مصلحة الليطاني على معمل ليبان ليه، يُثبت استمرار المعمل رمي نفاياته الصناعية إلى الليطاني مباشرة. ووصلت دعوى ليبان ليه إلى القضاء الجزائي في بعلبك إثر تحريك مصلحة الليطاني دعوى شخصية إلى جانب دعوى الحق العام.  

تعتبر مصلحة الليطاني، ووفق ما أكد رئيس مجلس إدارتها الدكتور سامي علوية ل "المفكرة" معمل ليبان ليه الضخم "من أكبر الملوثين لنهر الليطاني حيث يُنتج يومياً، ووفق تقرير سابق للمصلحة، 200 ألف متر مكعب من المياه العادمة من دون أي معالجة و تذهب مباشرة إلى الليطاني".

ووفق صوت مندوب مصلحة الليطاني المرافق للفيديو المصور الذي يظهر سريان نفايات ليبان ليه الصناعية وصرفه الصحي نحو الليطاني مباشرة، فإن البرك التي ادعى المعمل إنشاءها لترسيب نفاياته الصناعية "فارغة" بينما حُولت نفايات المعمل التي أسماها المندوب "شلالات ليبان ليه أو نبع ليبان ليه" إلى الليطاني مباشرة. وذلك في مخالفة واضحة للتعهد القضائي الذي تبنّاه القيمون على المعمل أمام القاضي ابراهيم. قبل ستة أشهر ونصف.

ومنحت القاضية المنفردة الجزائية في بعلبك لميس الحاج دياب في جلسة 30 نيسان 2019 معمل ليبان ليه مهلة أسبوعين، وذلك بعدما قدم المفوض بالتوقيع عن المعمل مارك واكد اقتراحاً بإنشاء حفرة ترسيب خامسة إلى جانب البرك الأربعة المنشأة سابقاً (70 متراً بالطول و10 أمتار عرض وعمق 3 أمتار، وهي بذات سعة حفرة الترسيب الرابعة). كما أنه لفت إلى أن محطة التكرير التي يقوم المعمل بدراسة إنشائها منذ ثلاث سنوات، والتي خُصص لها من البنك الدولي قرضاً مدعوماً، لن تكون جاهزة قبل شهر أيلول 2019.

تأتي مهلة القاضية الحاج دياب في وقت طلبت فيه المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في ادعائها أمام المحكمة الجزائية إقفال المعمل إلى حين إصدار الحكم النهائي خاصة وأن المعمل مستمر بالتلويث. إلا أن القاضية الحج دياب تريثت عن البت بالطلب خلال الجلسة الأخيرة، وذلك على ضوء تعهد  المعمل بتجهيز بركة خامسة وعلى ضوء وعده بالإنتهاء من تركيب محطة التكرير في أيلول المقبل، على أن يقدم المعمل صور الحفرة الخامسة إلى المحكمة خلال مهلة أسبوعين.

ويُشار إلى أن القاضية دياب كانت قد راسلت وزارة الصناعة لأجل إرسال خبير للكشف على المعمل، وأشارت إلى أن تقرير الوزارة سيرد في الوقت القريب وأرجأت الجلسة إلى تاريخ 20 حزيران 2019.

رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني د. سامي علوية يلفت في حديثه إلى المفكرة، إلى أن ما يظهر في الفيديو يؤكد أن المعمل الذي يُحاكم أمام القضاء يستمر بتلويثه نهر الليطاني، بدلاً من تفريغ المياه العادمة في حفر الترسيب التي يبدو أنها لا تزال فارغة. ويعتبر علوية أن "ليبان ليه يرمي هذه الملوثات في النهر، وليس لديه محطة تكرير، يتحايل علينا وعلى القضاء بمسألة حفر الترسيب". "ما يعنيه أن هذه الحفر التي يتحدثون عنها غير فعّالة، وليست سوى حيلة لخداع المحكمة، وأن المياه العادمة لا تحوّل عليها بل يستمر تسليطها إلى نهر الليطاني"، بحسب تعبيره.

علوية يشدد على أن "الجريمة المرتكبة من هذا المعمل هي فادحة وأن الملوثات التي تخرج منه هائلة وتستدعي تحركاً قضائياً حازماً". ويؤكد أن الفيديو "يثبت حجم الجرم الكبير الذي يرتكبه المعمل"، ويرى أن "القضاء عليه أن يكون حازماً أي أن يُغلق المعمل أو أن يُلزمه بإيقاف التلوث". ويرى علوية أنه "بشكل عام، عندما يتم ضبط شخص بالجرم المشهود يتوجه القضاء فوراً لإيقاف الجرم من ثم المحاكمة، وليس إعطاءه المهل والسماح له بالاستمرار بالأذى خلال محاكمته". ويُضيف إن "بنك عودة هو شريك أساسي بهذا المعمل، وكما هو حريص على الاقتصاد عليه أن يكون حريصاً على البيئة".

المفكرة حاولت الاتصال بواكد بعد حصولها على الفيديو لكن لم تتمكن من الوصول إليه عبر الهاتف. وفي وقت سابق خلال الجلسة كان واكد قد شرح ل "المفكرة" أنه في السنوات السابقة كان المعمل يقوم بترسيب روث البقر في البرك الأربعة ومن بعدها يتم رمي المياه الأقل تلويثاً مباشرة في نهر الليطاني، أي أنه لم يُنكر مسألة تلويث النهر. لكن بالمقابل برر عدم تكرير المخلفات بفشل أول مشروع تكرير في عام 2005 واحتراق المستودعات، والقصف الذي تعرض له المعمل خلال حرب تموز. ومن جهته يعترف وكيل المعمل المحامي إيلي صعب للمفكرة بأن المعمل يقوم بتحويل المياه الصناعية بعد خروجها من برك الترسيب إلى النهر وهو مستمر بذلك بسبب امتلاء البرك وعدم قدرتها على استيعاب المزيد من النفايات الصناعية.  

وتجدر الإشارة إلى أن وكيلة المعمل، وفي أول جلسة مثُل فيها أمام القاضية الحاج دياب، كانت قد أدلت بأن المعمل أوقف التلوث بحسب ما ينقله وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا. ويؤكد عطايا أنه تم تدوين ما ذُكر في محضر الجلسة.

يُذكر أن معمل ليبان ليه، وهو من أكبر معامل لبنان، تأسس في 1997 وهو يزود قوات الأمم المتحدة في لبنان بالحليب ومشتقاته كافة، كما أنه حاصل على ترخيص كانديا فرنسا لإنتاج مشتقات الحليب، وهو ما يرتب حسب خبراء متابعين للملف، معايير تحترم بيئة لبنان إلى جانب القوانين اللبنانية المرعية الإجراء.

 

ألبان لبنان: ثلاث سنوات لتركيب محطة تكرير

تفصيلاً، صرح واكد للمفكرة بأن الشركة (ألبان لبنان) تدرس مشروع تكرير لمخلفات الحيوانات (روث الأبقار) منذ ثلاث سنوات مع شركات أجنبية. وأوضح بأنه في السنوات السابقة اعتمد المعمل طريقة ترسيب المياه المبتذلة في أربع برك ترسيب خاصة وهو بصدد إنشاء بركة خامسة، وبذلك يجري تصفية المياه، ويتم تحويل المياه الأقل تلوثاً والناتجة عن البركة الأخيرة إلى النهر مباشرة. ويشرح واكد بأن المعمل لم يتمكن من معالجة المياه المبتذلة منذ تأسيسه في العام 2000 لعدة أسباب ترتبط بفشل أول مشروع تكرير قامت بتنفيذه وثم مواجهة الشركة أزمات عدة. إذ يلفت إلى أن "الشركة واجهت أزمة في العام 2005 عندما تعرضت مستودعات المعمل للاحتراق، وثم تعرض المعمل للقصف بصاروخين عام 2006 خلال حرب تموز. بالتالي، فإن هذه الأزمات بحسب واكد فرضت على الشركة أن تستفيد من الوقت "لنعود ونقف على أقدامنا ونعوض الخسائر".  ويؤكد بأن الشركة بصدد تفعيل مشروع تكرير يتم دراسته منذ ثلاث سنوات مع وزارة البيئة ومشروع مكافحة لتلوث البيئي في لبنان LEPAP التابع للوزارة، بهدف وضع الدراسات اللازمة. ومن شأن هذا المشروع الذي تم تمويله بقرض من البنك الدولي بلغ مليوني دولار، أن يُعالج المياه المبتذلة (روث البقر بشكل خاص) واستخراج مياه نظيفة منه تستعمل في الزراعة والتنظيف، بالإضافة إلى سائل غذائي. ويعتبر واكد بأن المخلفات الصناعية الناتجة عن المعمل لا يوجد فيها سموم، غير أن الأمصال التي تنتجها لا تذهب إلى الصرف الصحي، إذ يقوم المعمل منذ سنوات طويلة بخلطها مع علف الحيوانات.

خلال الجلسة ورداً على أسئلة القاضية، أوضح واكد أنه المدير العام للشركة، وتتلخص مهامه بإدارة المعمل والإشراف على أعمال المدراء كافة، كما يقوم أيضاً باستدراج المشاريع. وأوضح للمحكمة بأنه تم المباشرة بإنشاء حفرة ترسيب خامسة إلى جانب الأربع السابقة، وسيتم إنهاؤها خلال فترة أسبوع، وسوف يتم زراعة القصب حولها. وأوضح واكد بأن الشركة سوف تنتهي من تركيب محطة التكرير في أول شهر أيلول 2019.

ويُشار إلى أن القاضية الحج دياب كانت قد أصدرت قرارين بإيقاف العمل بمنشئتين صناعيتين غير ليبان ليه وقامت بإعادة فتحهما بعدما تعهدتا بإيقاف التلوث.

 

بعلبك بعد البقاع تُحاكم التلوث في نهر الليطاني

بعد البقاع، هذه المرة يواجه نهر الليطاني المدعى عليهم بجرائم تلويث مياهه في منبعه الأم في محافظة بعلبك. وعلى خطوات قليلة من قلعة بعلبك التاريخية كانت تنعقد جلسة في قصر العدل لستة ملفات في قضية تلوث نهر الليطاني أمام القاضية   لميس الحاج دياب في 30 نيسان 2019. وحيث تخطى عدد ملفات مصانع البقاع في محكمة زحلة التسعون ملفاً ينظر فيها القاضي المنفرد الجزائي محمد شرف، فإن محكمة بعلبك نظرت في ستة ملفات من أصل سبعة تعود لشركات ومؤسسات صناعية كانت قد تقدمت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بإخبارات ضدها لدى المدعي العام البيئي في زحلة. وأما في الجنوب حيث تكثر التعديات على النهر وعلى شبكة مياه الري التابعة له فإن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تلجأ إلى رفع هذه التعديات وإقامة وتشييد جدران فاصلة لحماية قنوات الري كما حصل في القاسمية.

غير معمل البان لبنان، فإن المؤسسات المدعى عليها التي مثلت أمام القاضية الحج دياب هي شركات تبارك وصدارة غروب والتي تعود لنفس المالكين من آل الديراني، وهي ثلاث شركات جرى الادعاء عليها في ملف واحد. وإضافة، تم النظر في ملفي "شركة الريف التجارية" و"تندر بول" الذين كان قد صدر قرار بإقفالهما من قبل القاضية الحج دياب بتاريخ 12 آذار 2019، وتم إعادة فتحهما بعد تعهدهما بإجراء الإصلاحات البيئية اللازمة. ونظرت القاضية الحج دياب في ملفي شكة الخيرات وشركة مرتضى للأحجار، فيما لم تنعقد الجلسة الخاصة بملف شركة سليمان غروب بسبب إحالة الملف للنيابة العامة لتصحيح الادعاء.

 

خبراء وزارة الصناعة يكشفون على مصانع بعلبك

ويُشار إلى أن الجلسة السابقة التي انعقدت بتاريخ 2 نيسان 2019 تم فيها استجواب الشركات كافة، وجرى تصدير كُتب إلى وزارة الصناعة لأجل إرسال خبراء للكشف على  المؤسسات المدعى عليها وتبيان ما إذا كانت ملوثة، ولكن لم يرد منها أي تقرير بعد. واللافت التوجه المُختلف لمحكمة بعلبك عن محكمة زحلة، بحيث أن القاضية الحج دياب تعتمد في البداية على وزارة الصناعة لإجراء الكشف بدلاً من تعيين خبراء مستقلين على نفقة المدعى عليهم مثلما فعلت محكمة زحلة. وقد بررت القاضية الحج دياب الأمر بأنه "لتخفيف الأعباء المادية عن المتقاضين، على أن يتم تعيين خبير مستقل عند الحاجة".

وهذا ما حصل في ملف المعامل الثلاث لمجموعة تبارك وصدارة غروب حيث تم تعيين الخبيرين ناجي قديح ونادين ناصيف لأجل الكشف عليها. وكانت وزارة الصناعة قد قامت بالكشف ولحين انعقاد الجلسة لم يكن تقريرها قد ورد، فأرجئت الجلسة مع سائر الجلسات المنعقدة في هذا التاريخ إلى تاريخ 20 حزيران 2019. وأوضحت القاضية أن المطلوب من الخبيرين المعينين من المحكمة تبيان خلال الكشف ما إذا كانت الشركات المدعى عليها تقوم بتلويث النهر أم بتلويث البيئة بشكل عام. وأيضاً أن يطال الكشف محطة التكرير الموجودة لدى الشركات، وتبيان مدى فعاليتها لمعالجة الصرف الصناعي، لا سيما إذا كان يحصل أي تسريب بالنظر إلى تعدد المصانع كما تعدد البضائع المنتجة والتابعة للشركات المدعى عليها.

 

مهلة لتركيب محطة تكرير

الجلسات المتبقية كانت لشركتي "الريف التجارية" و"تندر بول" التين كانتا قد اقفلتا سابقاً لفترة وجيزة وأعيد  فتحهما بعدما تعهدتا بتركيب محطات تكرير. المفوض بالتوقيع عن شركة الريف التجارية أوضح بأنه تم تركيب محطة تكرير وأنها تحتاج في أول مرحلة للطقس الدافئ لتنمو فيها البكتيريا المسؤولة عن معالجة المياه الصناعية، فطلب مهلة 20 يوماً لتظهر فعالية المحطة.  أما جلسة شركة "تندر بول" (مسلخ فروج) فقد حضرها مهندس من شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد بصفة شاهد، والأخيرة هي الشركة التي تقوم بتركيب محطة التكرير لصالح الشركة المدعى عليها. المهندس أدلى بأنه تم تجهيز البنى التحتية للمحطة وأن جزءاً من المعدات جرى استيراده من الخارج، ومن المتوقع وصولها في منتصف شهر أيار. على ضوء ذلك، قررت المحكمة تسطير كتاب لوزارة الصناعة للكشف على المصنع وأخذ العينات أواخر شهر أيار، أي بعد الانتهاء من تركيب المحطة ومباشرة العمل فيها. وأيضاً ألزمت المحكمة الشركة بأن تقدم كافة الفواتير التي تُبين نقل المياه المبتذلة عبر الصهاريج من المعمل.

ويُشار إلى أن شركة الخيرات وشركة مرتضى للأحجار أرجئتا مع باقي الملفات إلى تاريخ 20 حزيران 2019 لورود تقارير الخبراء.

 

 

المفكرة القانونية