رئيس الأركان يؤكد وقوف الجيش الأردني مع الملك عبدالله الثاني في مواجهة الإملاءات الخارجية.
 
تشكل رسالة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لمدير المخابرات الجديد اللواء أحمد حسني حسن الذي عُيّن خلفاً للواء عدنان الجندي حديث الساعة في الصالونات السياسية داخل المملكة، خاصة لما تضمنته من إيحاءات بشأن وجود أطراف داخل الجهاز سعت إلى استغلال الأوضاع الدقيقة التي تمرّ بها المملكة، لخدمة مصالحها الضيّقة.
 
ولطالما اعتبر جهاز المخابرات أحد أقوى مراكز صنع القرار في الأردن، بيد أنه لوحظ في السنوات الأخيرة محاولة لتهميشه، وتحجيم نفوذه، بدأت ملامحها تبرز في الفترة الأخيرة من إدارة اللواء فيصل الشوبكي (2011-2017) لتتواصل مع الجندي، الأمر الذي يعكس حالة من القلق داخل المؤسسة الملكية من نفوذ هذا الجهاز، في ظل التحديات الجمّة التي تواجهها داخليّا وإقليميّا.
 
وعيّن العاهل الأردني الأربعاء مديرا جديدا للمخابرات، لكنّ اللافت في مضامين رسالة التعيين التي وجهها إلى المدير الجديد، الربط بين الوضع الإقليمي والداخلي المتأزم ودور الجهاز للحفاظ على التوازن الأمني والسياسي.
 
وقال الملك في نص رسالته إنه عيّن اللواء أحمد حسني حسن في “هذه المرحلة الدقيقة التي تواجه فيها المنطقة بأسرها تحديات جمّة وغير مسبوقة، ويواجه فيها الأردن تحديات فرضتها عليه المتغيرات الإقليمية والمناخ العالمي العام الفريد والمتوتر”.
 
وأشار إلى تمكّن الأجهزة من “التصدي لكل من تسوّل له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور الأردني، وفي مواجهة البعض ممن يستغلون الظروف الصعبة والدقيقة التي نمرّ بها، والهموم المشروعة، التي نعمل على تجاوزها، لدى بعض الفئات في مجتمعنا، طلبا لشعبية زائلة، تاركين بذلك أنفسهم، سواء عن علم أو جهل، عرضة للاستغلال من جهات عديدة لا تريد لنا الخير وتعمل على العبث بأمن الأردن واستقراره”.

ويرى مراقبون أن إيحاءات الملك عبدالله بشان وجود أطراف في الجهاز ذائع الصيت حادت عن الطريق المرسوم لها تطرح الكثير من التساؤلات، خاصة وأن هذه الرسالة تأتي في ظرفية حساسة تمرّ بها المملكة، مع اقتراب إعلان الخطة الأميركية المعروفة بصفقة القرن والتي يرجّح أن يتم طرحها بعد شهر رمضان.

ويخشى الأردن من مضامين هذه الصفقة، خاصة مع تأكيدات عرّابها مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر من أن لن تأتي على حل الدولتين، وستكرّس القدس عاصمة لإسرائيل.

ونسف الخطة الأميركية الموعودة لحل الدولتين يضع الأردن في موقف صعب، وسط مخاوف من أن يكون الوطن البديل خاصة مع توجه لإسقاط حق العودة للآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيش جزء كبير منهم في المملكة.

وسبق وأن قدّم كوشنر تطمينات للأردن بأن لا نية لأن يكون الأردن وطن بديل للفلسطينيين، وأن كل ما يقال عن ذلك مجرد شائعات، بيد أن هذه التطمينات لا تلقى صداها لدى المملكة.

وليس هذا فقط ما يؤرق الدولة الأردنية فهناك مسألة الوصاية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، خاصة بعد تأكيدات كوشنر بأن المدينة سيقع تثبيتها في الخطة كعاصمة لإسرائيل، ما سيفقد الأردن دوره الروحي.

وتعترف معاهدة السلام التي وقّعها الأردن مع إسرائيل في وادي عربة عام 1994، بأحقية المملكة في رعاية المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية الأخرى في القدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المنشودة.

وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، الفريق الركن محمود عبدالحليم فريحات، الخميس في تصريحات وصفت بالمثيرة إن الأردن يرفض جميع التهديدات والإملاءات عليه، وذلك في معرض حديثه عن صفقة القرن.

وأوضح الفريق فريحات قائلا “إن ما يشاع ويقال وتكثر حوله التحليلات والتكهنات، لا يعدو طروحات غير واضحة أو معروفة تفاصيلها وأبعادها وغاياتها، وهناك قوانين وأنظمة تحكم مسيرة العالم، وأن الشعب الأردني الواعي وقواته المسلحة لا تنطلي عليهما هذه الأمور، وأن ولاءنا وانتماءنا لوطننا وقيادتنا لا حدود له”. وأضاف في لقاء عقده في الكلية العسكرية الملكية “لطالما تحدث جلالة القائد الأعلى بلغة واضحة ترفض جميع التهديدات والإملاءات التي لا تتفق ولا تناسب رؤية ووجود وكيان وحضارة دولتنا”.

وتابع بحسب الموقع الإلكتروني للجيش الأردني “الأردن بقواته المسلحة ومواطنيه وجميع الأجهزة الأمنية ومختلف مؤسساته الوطنية، قوي وقادر على المضيّ قُدماً نحو مستقبل مشرق تحت ظل قيادتنا الحكيمة”. وأكد “أن القوات المسلحة دائماً في أعلى درجات الجاهزية والاحتراف والتأهب، للتعامل مع جميع الظروف المحيطة والتحديات ومجمل ما يجري داخليا وخارجيا”.

وبدت تصريحات فريحات رسالة تجديد ولاء للملك عبدالله في ما يواجهه من ضغوط أميركية في علاقة بخطة السلام الأميركية.

وبدأ العاهل الأردني قبل فترة عملية تغيير واسعة شملت أيضا الديوان الملكي الذي يعدّ هو الآخر أحد مكامن القوة داخل المملكة، وإن تراجع بشكل واضح، لأسباب يربطها كثيرون بقلق الملك عبدالله الثاني، الذي حرص بالتوازي مع هذه الترتيبات على تمهيد الطريق لنجله ولي العهد الحسين بن عبدالله. ويخشى كثير من الأردنيين من تسوية القضية الفلسطينية وأزمات المنطقة على حسابهم، وهم في وضع اقتصادي صعب أفرز حالة من الاحتقان، خاصة مع ما ظهر في الآونة الأخيرة من اتهامات وتحقيقات في الفساد شملت موظفين كبار ورجال أعمال على علاقة مباشرة مع أجهزة الحكومة.

ويعيش الأردن وضعا اقتصاديا صعبا يتمثّل في العجز المزمن في الموازنة والديون التي تجاوزت 40 مليار دولار (28 مليار دينار)، ما أدّى إلى اندلاع مظاهرات واسعة العام الماضي أدت إلى إقالة حكومة هاني الملقي.

وترافقت التعيينات في الديوان والمخابرات مع جولات ميدانية شبه يومية للعاهل الأردني شارك خلالها في تمارين عسكرية، وزار عددا من المؤسسات الرسمية والأهلية. وأصبح للعاهل الأردني الذي يسافر إلى الخارج لفترات طويلة، حضورا متواصلا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل حول زياراته وتصريحاته.