هل أصبحت الحرب على تنظيم داعش على أعتاب المرحلة التالية بما هو مطلوب منها في الصراع الأميركي الإيراني على أرض العراق؟ ولماذا جاء الظهور الإعلامي لزعيم داعش في لحظة فاصلة من تجاذبات السياسة الدولية التي عانت من الإرباك بعد الاتفاق النووي.
 

الرئيس الإيراني حسن روحاني يقول “نحن رجال التفاوض” في كلمة عتاب للمجتمع الدولي الذي لا يتفهم عدم الاستعداد الأميركي للتفاوض، لأن الولايات المتحدة تريد من إيران الاستسلام للشروط التعجيزية، ويصف الولايات المتحدة في ذات الكلمة، بصاحبة اللسان الأطول من قدراتها العسكرية مؤكدا على تفوق القوة الإيرانية.

بهذا المنطق يبدو التخبط الاستراتيجي الإيراني صارخا، لكن ما يبرره هو الاطمئنان في الاستهلاك القسري على مستوى الداخل، رغم أن الصراع بين الطرفين قد بدأ فعليا مع إدراج الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية ومع إلغاء الإعفاءات الأميركية على استيراد النفط الإيراني في بداية مايو الحالي. الاطمئنان مصدره أولا الثقة بتعهدات الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية بعدم الزج بالجيش الأميركي في الحروب وانتقاده لحماقات الرؤساء السابقين.

المصدر الآخر يتعلق بالرهان الإيراني على قتل الوقت انتظارا للانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة واحتمال مغادرة إدارة ترامب للبيت الأبيض، مع ذلك ثمة خيوط من الغزل تنسجها السياسة الخارجية الإيرانية لإلقاء اللوم على مساعدي الرئيس الأميركي ومستشاريه، دون الرئيس، في الانسحاب من الاتفاق النووي وتصعيد العقوبات.

لكن حتمية المواجهة تُبنى على خلفية سلسلة من الإجراءات والقرارات والتصريحات المتشنجة من الجانب الإيراني الذي يتعاطى مع ما قاله المرشد علي خامنئي من أن “العدو لا يكشف عن استعدادات عسكرية للحرب، لكننا يجب أن نحافظ على جاهزيتنا القتالية”.

وصية المرشد ترجمها القائد العام للجيش الإيراني عبدالرحيم موسوي إلى مجموعة من الأوامر بدرجة الإنذار لكافة القطعات البرية والبحرية والجوية بلزوم الاستعداد لخوض الحرب، ويتضح أن الحرس الثوري يتراجع ضمنيا للتمترس خلف قيادات الجيش الإيراني للإيحاء بالتزامه بسياقات الجيوش الوطنية وواجباتها في حماية الأمن القومي على أراضيها.

ما يتسرب من قادة الحرس الثوري حماة ولاية الفقيه يتماشى مع تصدير مشروع الثورة، كما لو أن الحرس الثوري بكافة قواته وصنوفه انتقل ليكون بعضا من فيلق القدس بإمرة قاسم سليماني، وتلك مهمة ينبغي التوقف عندها في قراءة مكثفة لاستعراض ما يخطط له النظام في إطار الحروب بالوكالة عن الطرفين إنْ في العراق أو سوريا.

الإشارة إلى الميليشيات ومنها الحشد الشعبي تتقدم على مصادر الاطمئنان الأخرى لأنها تتقبل التمويه بحرب العصابات أو المناوشات بحدود إطلاق عدد من صواريخ الكاتيوشا غير موثوقة جهة الإطلاق لعدم تبنيها إعلاميا أو أمنيا، كما حصل في تناقضات أخبار الهجوم على قاعدة التاجي شمال بغداد أثناء تواجد أعداد من القوات الأميركية، في سياسة وصفتها جهة أمنية إيرانية بأنها ورقة سياسة الإنكار والنفي المتوقعة بعد كل استهداف مقبل للقوات الأميركية في العراق.

إيران في هذا التوقيت تضع ميليشياتها على لائحة الخارجين على القانون الدولي وقانون الدولة الوطنية التي تنتمي إليها في تماه مع إرادة الحرس الثوري، وتتجه لعزل تلك الكيانات تماما، تصريحا ببدء عملياتها بما عبرت عنه من فعاليات وبيانات حاضرة في تقييم الهجمات الأميركية على فصائل من الحشد الشعبي طيلة السنوات الماضية في جرد لمكان وزمان تلك الهجمات.

من فصول الاندماج الذي نفته حكومة بغداد هو الإعلان عن مناورات بحرية مشتركة بين العراق وإيران، في أسلوب اتبعته القيادات الإيرانية والحرس الثوري في إفشاء المعلومات بما تراه يعزز من استراتيجيتها في المنطقة، أو في المواجهة مع الولايات المتحدة بغض النظر عن موقف حكومة العراق من العلاقة التكاملية المعلنة بين قوات الحشد الشعبي والحرس الثوري، وهي علاقة غير معزولة عن توجهات النظام السياسي في العراق رغم أنها تسبب الكثير من الاستهانة بأطروحات الاستقلال والسيادة وما يقال عن النأي بالعراق عن المحاور الدولية.

القيادة المركزية لسلاح الجو الأميركي تقرأ جيدا التهديدات على أرض العراق، لذلك لم تتأخر في عروضها القتالية عندما شنت غارة جوية على مواقع اختارتها لتنظيم داعش في وادي الشاي جنوب كركوك، بطائرتين من نوع الشبح “أف 35 أيه لايتننغ 2″ في تجربة لأحدث طائرة مقاتلة في العالم.

الرسالة الأميركية وصلت بعد تحذيرات من عودة الحياة إلى تنظيم داعش، في وقت استقبل فيه وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي البعض من قادة القوة الجوية وسلاح الطيران من العراقيين مذكرا بتضحيات الحرس الثوري في منع تقسيم العراق، واصفا القرار الأميركي بشأن الحرس الثوري بمثابة انتقام من جهد الحرس في الحرب على إرهاب داعش.

هل أصبحت الحرب على تنظيم داعش على أعتاب المرحلة التالية بما هو مطلوب منها في الصراع الأميركي الإيراني على أرض العراق؟ ولماذا جاء الظهور الإعلامي لزعيم التنظيم مجددا في لحظة فاصلة من تجاذبات السياسة الدولية التي عانت من الإرباك أصلا بعد الاتفاق النووي الذي أجلت فيه إيران من خلاله، فقط، برنامجها التسليحي النووي مقابل طموحاتها في الاعتراف الدولي بنفوذها أو تقاسم نفوذها في المنطقة من النيل إلى الفرات، وتحديدا في ترك مصير العراقيين الذين تصدق عليهم مقولة وحدتهم مع الإيرانيين لكن في مأساة الموت والفقر والجوع والتخلف مقابل وحدة الإرهاب والفوضى بين ميليشيات الحشد الشعبي والحرس الثوري وتنظيم الدولة وتجارب أسلحة الدول العظمى والكبرى على أرضنا.