بين ما قاله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لقناة «روسيا اليوم»، قبل ايام، وما قاله أمس لقناة «العربية» في حوار مسجَّل سبق كلامَه للقناة الروسية، مسار واحد، فقد قام جنبلاط بانتفاضة، عنوانها الوحيد فصل لبنان عن أزمة المنطقة، تجنّباً لما يمكن أن يحصل من تطورات.
 

تلخص مصادر مطلعة على موقف جنبلاط انتفاضته بالأسباب الآتية:

ـ أولاً، لم يُعلن جنبلاط ما أعلنه عن عدم لبنانية مزارع شبعا قانونياً، بخلفية الفعل وردة الفعل، فلا التضييق الذي يتعرض له في الجبل، على يد حلفاء «حزب الله» والنظام السوري هو السبب، ولا ما اتُهم به في موضوع معمل فتوش، ولا أيّ تفصيل آخر. موقف جنبلاط سببه قراءة بعيدة المدى لواقع المنطقة والتحالفات التي بدأت تتضح، ولا سيما منها تحالفات النظام السوري، التي تتمّ برعاية روسية، وربما اميركية، كما معالم النزاع الدائر بين ايران والولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، وهو نزاع قد يعرّض لبنان لخطر حرب لا يمكنه تحملها.

ـ ثانياً، إنّ العنوان الأبرز في كلام جنبلاط عن عدم لبنانية شبعا، وعن توصيف الرئيس السوري بشار الأسد بـ»الكاذب الكبير»، يهدف في نظر جنبلاط الى فكّ اشتباك الملف اللبناني عن الملف السوري، سواء في قضية النازحين، أو الحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا، ومزارع شبعا التي امتنع النظام عن إعطاء لبنان وثائق ملكيتها. إنّ فك الاشتباك هذا يراه جنبلاط اساسياً في ظل التفاهم السوري-الاسرائيلي الذي يحصل بضمان روسي، تعطي اسرائيل بموجبه غطاء لاستمرار النظام، مقابل قبوله (الواقعي) بضم الجولان، وفي المقابل إطلاق يده في محاولة إعادة إمساك أوراق كان قد خسرها حتى الأمس القريب ومن ضمنها ورقة لبنان، بما يشبه استعادة صفقة كيسنجر التي كافأت النظام السوري بإطلاق يده في لبنان، مقابل توقيع اتفاق فك الاشتباك في الجولان.

روسيا اليوم تقوم مقام كسينجر، والصفقة بات نضوجُها مكتملاً، اما الإنعكاسات على لبنان فلا يمكن عدم توقعها، في ظلّ الدعم الروسي الكبير للنظام السوري.

ـ ثالثاً، تشير المصادر الى أنّ جنبلاط وبعد انتفاضته يحرص على تثبيت موقفه من دون الذهاب في مواجهة مفتوحة مع «حزب الله»، ويمكن أن يعلن في الايام المقبلة موقفاً يؤكد فيه ما قاله عن شبعا إنما بصيغة مختلفة، لكنّ قراره هو الاستمرار في محاولة فصل لبنان عن ازمة المنطقة، وعدم تعريضه لتحمّل نتائج أيّ مواجهة محتملة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، قد يكون مسرحها لبنان، كما عدم تدفيعه ثمن صفقة النظام مع إسرائيل، من أمنه واستقراره.

ـ رابعاً، إنّ موقف جنبلاط من مزارع شبعا لا يعني خروجه من التسوية التي أدّت الى انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، فهو لن يخرج من الحكومة، وسيبقى في التسوية على رغم من أنّ هذه التسوية باتت منهكة الى درجة يمكن أن تهتزّ تحت وقع الأزمة الاقتصادية.

وفي الموضوع الإقتصادي حرص جنبلاط على إعلان موقف متمايز من مناقشات الموازنة داخل الحكومة، هذه المناقشات التي تترنّح تحت وقع الإشتباك الحاصل حول بنود الموازنة، ما يهدّد جدّية الوصول الى إصلاحات حقيقية تطاول الملفات التي يُفترض معالجتها لخفض العجز، ومنع الوصول الى انهيار اقتصادي.

لن تعني التهدئة الشكلية المتوقعة في موقف جنبلاط أكثر من تأكيد الخشية من أن يدفع البلد ثمناً كبيراً، وحركته الأخيرة ليست قفزاً من «التايتانيك» قبل الغرق، بل هي مواجهة غير تقليدية، في توقيت هو الأصعب الذي تمر به المنطقة، فيما لبنان يفتقد الحماية الضمان.