وضع جماعة الإخوان في الأردن يعتبر أكثر تعقيدا لجهة أنها لا تملك ترخيصا قانونيا يسمح لها بالعمل على هذه الساحة، وبالتالي فإن مصيرها مرهون بيد الملك، خاصة إذا ما تم حظرها أميركيا.
 
تقول دوائر سياسية أردنية إن توجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، يضع الأردن الرسمي في موقف صعب، خاصة وأن الأخير أظهر في الفترة الأخيرة رغبة في الانفتاح على الجماعة بعد شبه قطيعة جراء دورها في الحراك الاحتجاجي الذي جرى في العام 2011.
 
وتضيف الدوائر أن الخطوة الأميركية من شأنها أن تفرمل اندفاعة الأردن الرسمي صوب الإخوان، وانتظار مآلات الأمور.
 
ولوحظ في الفترة الأخيرة تغير في سياسة الأردن حيال الجماعة وحظيت كتلتها النيابية “الإصلاح” قبل أيام باستقبال لافت من قبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في قصر الحسينية، وتلقت وعودا منه بالنظر في مطالب الجماعة، خاصة تلك المتعلقة بالمبادرة السياسية التي طرحتها قبل فترة والتي تتعلق بإنشاء حكومات برلمانية تأمل في أن تكون جزءا منها باعتبارها القوة الأكثر تنظيما وحضورا على الساحة السياسية في المملكة.
 
وحرصت الجماعة على تصوير اللقاء الذي جرى مع كتلتها على أنه رد اعتبار لها على ما تعتبره عملية استهداف ممنهجة تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة جراء موقفها مما يسمى “الربيع العربي”، وأن ذلك اللقاء يدشن لمرحلة جديدة في العلاقة بينها وبين الدولة الأردنية.
 
وينبع تحرك الملك عبدالله الثاني صوب الجماعة من حالة القلق التي تسود المملكة من المتغيرات الجارية في المنطقة، خاصة مع اقتراب الإعلان عن خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن والتي ينتظر طرحها بعد شهر رمضان، وفق ما أعلن عرابها مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنير.
 
وهناك خشية من أن تسحب هذه الخطة إشراف الأردن على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من خلال تكريسها عاصمة لإسرائيل، فضلا عن إمكانية أن تسقط حق العودة للآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيش جزء كبير منهم في المملكة، الأمر الذي قد يفرز ردة فعل عنيفة تهز البلاد.
 
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، الفريق الركن محمود عبدالحليم فريحات، الخميس إن الأردن يرفض جميع التهديدات والإملاءات عليها، وذلك في معرض حديثه عما يتردد بشأن صفقة القرن.
 
ويراهن العاهل الأردني على جماعة الإخوان التي تسيطر عليها قيادات من أصول فلسطينية على ضبط الشارع. وليس هذا فقط ما يقلق الملك عبدالله ويدفعه إلى إعادة تدوير جماعة الإخوان، فهناك ايضا الوضع الداخلي الذي يشهد حالة من الاحتقان جراء الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها المملكة، وقد شهد الأردن خلال الأشهر الماضية موجات احتجاجية متفاوتة كان أشدها وطأة تلك التي جرت في مايو الماضي. وإزاء هذه التحديات يظهر الملك عبدالله الثاني توجها لتبني سياسة جديدة بهدف تحصين الداخل من أي خضات، عبر عملية واسعة لإعادة ترتيب البيت الداخلي طالت الديوان الملكي وجهاز المخابرات العامة، بضخ دماء جديدة وإبعاد شخوص مشكوك في كفاءتها وحتى ولائها وهو ما ترجم في رسالة الملك الموجهة لمدير المخابرات الجديد اللواء عدنان الجندي.

بالتوازي مع احتواء القوى السياسية التي قد تسعى لاستثمار حالة الإرباك الرسمي لإثارة القلاقل على غرار الإخوان المسلمين، الذين يمتلكون حيثية سياسية وشعبية رغم تراجع نفوذهم في السنوات الماضية.

ويقول محللون إن توجه الإدارة الأميركية سيعيد خلط الأوراق على الساحة الأردنية وأن النظام سيتأنى في السير قدما في مشروع الانفتاح على الجماعة إلى حين اتضاح مسارات الأمور، ومدى جدية واشنطن في توجهها بإدراج الإخوان على القائمة السوداء.

وبحث إدراج جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة ليس جديدا، ولكن اتخذ في الفترة الأخيرة بعدا رسميا بإعلان البيت الأبيض وهذا الأمر يثير قلقا كبيرا لدى الجماعة ورعاتها قطر وتركيا. ويراهن الإخوان في الأردن على حالة الضعف التي يستشعرونها لدى صاحب القرار وحاجة الأخير إليها، في عدم مجاراة واشنطن في خطوتها.

وفي مقابل ذلك يرى كثيرون أن قرار إدارة ترامب تصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا قد يرفع الحرج على الأردن الرسمي، ويكسبه ورقة ضغط مهمة جدا ضد الجماعة، التي تحاول مجددا الاستثمار في نقاط ضعفه.

وكان البيت الأبيض قد أعلن الثلاثاء أن الرئيس الأميركي يعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا أجنبيا، وهو ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على الجماعة وداعميها.

وقالت سارة ساندرز المسؤولة الإعلامية بالبيت الأبيض في رسالة بالبريد الإلكتروني “الرئيس تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء بالمنطقة يشاركونه القلق، وهذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية”.

وردت جماعة الإخوان في الأردن على التوجه الأميركي الخميس، قائلة إنها تؤمن بالعدالة والحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وتمثل النهج الوسطي الإسلامي، ما جعلها حاضنة سياسية وفكرية للشباب المسلم بعيدا عن الإرهاب والأفكار المتطرفة.

وأضافت “يجب على الإدارة الأميركية التوقف فورا عن دعمها للإرهاب الصهيوني وأنظمة الاستبداد والقمع التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، قبل الحديث عن وصف الجماعة بالإرهاب”.

وكان المتحدث باسم الإخوان، معاذ الخوالدة، قد أشاد الأربعاء بدور الملك عبدالله الثاني في مواجهة الضغوط لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية.

وقال لوكالة الأنباء الأردنية “عمون” إن الجماعة تثمن “موقف الملك عبدالله الثاني بشأن مقاومته لضغوط إقليمية ودولية تتضمن حظر الجماعة وتصنيفها إرهابية”. وأضاف أن الجماعة قدمت الشكر للملك عبر كتلة الإصلاح النيابية التي التقته في وقت سابق، وذلك “على موقفه الرافض لإدراج الجماعة ضمن الجماعات الإرهابية”.

وأكد أن العلاقة بين النظام والجماعة لم تصل إلى مرحلة القطيعة، حتى في الأوقات التي تحدث فيها الأزمات.

وجدير بالذكر أن وضع الجماعة يعتبر أكثر تعقيدا في الأردن لجهة أنها لا تملك ترخيصا قانونيا يسمح لها بالتواجد والعمل على هذه الساحة، وبالتالي فإن مصيرها مرهون بيد الملك، خاصة إذا ما تم حظرها أميركيا.