كتب طوني عيسى في صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان "طريق الفساد... وطريق القديسين!": "لا مَسّ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة ولا مسّ بالسلسلة - ظالمة كانت أم مظلومة- ولا مسّ بالقطاع المصرفي، ولا يجوز طبعاً المسّ بالجيش والقوى والأجهزة الأمنية. ولا إصلاح قضائياً ولا دور لأجهزة المراقبة والتفتيش والمناقصات والمحاسبة، ولا نيّة للإشارة بالإصبع إلى أي فاسد، ولا لوضعه في السجن، ولا حتى لكشف شيء من خبايا الفساد. إذاً، أين سيكون التقشف، وأي فساد سيحاربون؟

هناك "خريطة" سياسية وطائفية - مذهبية تتوزّعها اللعبة الجارية حالياً، تحت شعار "التقشف وضبط الهدر ومحاربة الفساد". وهذه الخريطة كانت "مستورة"، لكنها تنكشف تدريجاً، ما يوحي أنّ القوى السياسية، إجمالاً، تعتمد المصالح والمزايدات في هذا الملف، وليس البحث عن سبل للخروج من المأزق.

العنوان الذي يرفعه رئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله"، أي الفريق الشيعي، هو عدم المسّ بالعاملين في القطاع العام وتعويضاتهم وتقاعدهم، ولا حتى السلسلة ظالمةً كانت أم مظلومة. وهذا الفريق يعتبر أنّ الطرف الأساسي الذي يجب أن يتحمَّل الأعباء هو القطاع المصرفي و"حيتان المال". ويستفيد هذا الفريق من ضغط النقابات العمالية القريبة منه.

في المقابل، يرتكز الرئيس سعد الحريري والفريق السنّي إلى المنطوق التقليدي للحريرية السياسية، منذ التسعينات، والذي يعتمد على دورٍ وازنٍ للقطاع المصرفي والخدمات.
ولذلك، هو يرفض المسّ بمصرف لبنان والقطاع المصرفي والشركات الكبرى في اعتبارها الركيزة الأولى لصمود الاقتصاد. فإذا تمّ إضعاف هذا القطاع اكتمل الشلل في الاقتصاد. ويريد هذا الفريق، أولاً، تصحيح الخلل في الإدارة وسلسلة الرتب والرواتب ورواتب العسكريين وتعويضاتهم.

أمّا الفريق المسيحي في السلطة، أي رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، فيخوض معركة العسكريين وعدم المسّ برواتبهم وتعويضاتهم وتقاعدهم تحت أي عذر كان. ويرفع رئيس الجمهورية شعار "العسكري المتقاعد الأول".

ويريد فريق عون السياسي إلقاء المسؤولية على التدخلات السياسية في الإدارة، وعلى السياسة المالية والنقدية والمصالح المالية، ولاسيما منها المصارف والشركات الكبرى.
وفيما يغرق الجميع في المزايدات حول هذه العناوين المتنافرة، يسجّل أحد المعنيين أنّ الموازنة التي تناقشها الحكومة "فارغة" تقريباً. كما أن هناك اتجاهاً لإقرارها من دون إنجاز قطع الحساب عن العام 2017. وهذا يعني أنّ السياسة التي أوصلت البلد إلى الهاوية هي نفسها مستمرة.

فمشروع الموازنة يهرب من البنود المثيرة للجدل ويترك الأمر للنقاشات على طاولة مجلس الوزراء وفي المجلس النيابي. ولا يبدو أحد من المعنيين راغباً في إحراق أصابعه شعبياً، بتبنّي خفض الرواتب والتعويضات أو زيادة الضرائب والرسوم. والجميع يفضّل رمي الكرة في ملعب الآخرين.

ويقول الخبراء إنّ الموازنة تتضمن تلاعباً مقصوداً بالأرقام، وخصوصاً في ما يتعلق بنسب العجز والنمو والدين والفوائد الحقيقية. وهو أمر اعتاد المسؤولون في لبنان إمراره منذ عقود. وقد جاءت الموازنة بعيدة من أي فلسفة إصلاحية… علماً أنّ إعدادها استغرق أشهراً من الانتظار والتعثّر، وفي ظل مخاوف شديدة من "تطيير" فرصة "سيدر".