هناك خلاف واسع بين الأصوليين وأهل الحديث حول تعريف مصطلح "الصحابي". ففي الوقت الذي يذهب فيه علماء الأصول إلى ضرورة طول مجالسة الرجل للرسول واشتهاره بالنقل عنه ليصح وصفه بالصحابي، يتوسع علماء الحديث في التعريف ليطلقوا صفة الصحابي على "كل مَن رأى الرسول أو سمع منه"، حسبما يذكر مثلاً ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة".
 
وإذا ما ابتعدنا عن الخلاف الاصطلاحي، فإن مكانة الصحابي وعدالته وما ينتج عن ذلك من حجية لقوله ولفعله كانت هي الأخرى من الأمور التي شهدت اختلافاً عظيماً بين المذاهب الإسلامية، حتى صارت تلك المسألة واحدة من المحددات المهمة والمعتبَرة في تمييز كل مذهب.
 
السنّة... تعديل مُطلق لعموم الصحابة
واحدة من أهم النقاط التي ميّزت أهل السنّة كانت مسألة القول بتعديل (القول بعدالتهم) صحابة الرسول بالمطلق، واعتبارهم أفضل ممَّن أتى بعدهم من التابعين وتابعي التابعين، إلى درجة جعلت عبد الله بن المبارك، وهو من علماء القرن الثاني الهجري، يقول في إجابته عن سؤال عن مدى أفضلية عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان: "تراب دخل في أنف معاوية في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبد العزيز"، حسبما يذكر الآجري في كتابه "الشريعة".
 
بنى علماء أهل السنّة هذا الاعتقاد على مجموعة كبيرة من النصوص الواردة في القرآن والحديث النبوي، ومن ذلك ما ورد في سورة الفتح {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}، وما ذكره مسلم في صحيحه من قول الرسول: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك أحدهم ولا نصيفه".
 
بناء على هكذا نصوص، اتفق جمهور علماء أهل السنّة على أن جميع الصحابة عدول، و"لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة" بحسب ابن حجر العسقلاني في "الإصابة".
 
ويعلل ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" سبب تقديم أهل السنّة للصحابة على جميع مَن لحق بهم من المسلمين، بقوله: "هم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسول الله، ولا أعدل ممَّن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منها".
 
أحداث الحرب الأهلية بعد مقتل عثمان بن عفان لم تقدح في عدالة الصحابة المتقاتلين، فقد حظيت جميع الفئات المتقاتلة بالاحترام والتبجيل عند جمهور أهل السنّة، ومن هنا شاعت بينهم مقولة عمر بن العزيز لما سُئل عن موقفه مما دار بين الصحابة في زمن الحرب الأهلية: "تلك دماء طهر الله منها أسنتنا أفلا نطهر منها ألسنتنا".
 
هذا الموقف صار من أهم سمات وخصائص المذهب السنّي، وساهم في اعتمادهم على أقوال السلف وروايته للحديث النبوي، بمجرد التأكد من كونه صحابياً، بدون تدقيق كافٍ في ضبطه أو أمانته، كما هو متعارف عليه عند أهل الجرح والتعديل، كما صارت أفعال الصحابة من الحجج المعتبَرة التي اعتمد عليها الفقه السنّي.
 
المعتزلة... تخطئة المشتركين في الحرب الأهلية
ظهرت فرقة المعتزلة على يد كل من واصل بن عطاء وعمرو بن عُبيد في بدايات القرن الثاني الهجري، عندما اعتزلا حلقة دروس الحسن البصري لما سأله أحد المسلمين عن مصير مرتكب الكبيرة، وهل هو في الجنة أم في النار.
رغم ذلك، من المرجّح أن اسم المعتزلة كان أسبق في الظهور وأُطلق على الفئة التي رفضت الانحياز إلى علي بن أبي طالب أو أعدائه من بني أمية، عندما اندلعت الحرب الأهلية بعد مقتل الخليفة عثمان.
 
الأغلبية العُظمى من المعتزلة نظرت بشكل سلبي إلى الصحابة الذين شاركوا في أحداث الفتنة. يذكر الشهرستاني، في كتابه "الملل والنحل"، أن واصل بن عطاء ذهب إلى تخطئة جميع الصحابة الذين تقاتلوا في معركتي الجمل وصفين، وقال: "أقل درجات الفريقين أنه لا تُقبل شهادتها كما لا تُقبل شهادة المتلاعنين"، قادحاً بشكل مباشر في عدالة هؤلاء الصحابة، كما قال: "لو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم".
 
في السياق نفسه، أثار أبو الهذيل العلاف، وهو من كبار علماء المعتزلة في القرن الثالث الهجري، الشكوك حول عدالة بعض الصحابة الذين عاشوا قبل الحرب الأهلية، مثل الخليفة عثمان، وتساءل حول حقيقة مظلوميته، وقال: "لا ندري قُتل عثمان ظالماً أو مظلوماً؟"، حسبما يذكر أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين"، مخالفاً بذلك الأطر العامة للاعتقاد السنّي الذي يؤكد على شهادة عثمان وصحة موقفه وظلم الثائرين عليه له.
 
ومن أهم التأثيرات التي نجمت عن موقف المعتزلة من الصحابة، هي أنهم ردّوا الكثير من أحاديث الآحاد، فرفضوا قبول أي حديث نبوي رُوي من طريق صحابي واحد، وخصوصاً إذا كان هذا الصحابي ممن اشترك في الحرب الأهلية، وأثّر ذلك كثيراً في تطور الفكر المعتزلي، إذ تراجعت أهمية النقل والنص في مقابل ازدياد ملحوظ لدور العقل والمنطق والرأي.
الإباضية... إسقاط عدالة أهل الجمل وصفين
كثيرون من المؤرخين والعلماء المسلمين ذهبوا إلى أن الإباضية هي إحدى الفرق المنبثقة عن الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب في موقعة النهروان، وذلك لسببين: أولهما، اتفاقهم معهم في بعض أصول الفكر الخارجي؛ وثانيهما، أن مؤسس مذهبهم عبد الله بن إباض كان من الخوارج الأزارقة في بداية أمره، ثم انفصل عنهم عام 65هـ، بحسب الشاطبي في كتابه "الاعتصام".
 
يذهب الاعتقاد الإباضي إلى تعديل جميع الصحابة الذين توفوا قُبيل اندلاع الفتنة، فيتولون كل من الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ويقولون بعدالة أكثرية الصحابة الذين شاركوا في غزوات الرسول والفتوحات زمن الراشدين، ولكنهم ينتقدون الصحابة بدءاً من زمن عثمان، وبالتحديد منذ بداية النصف الثاني من فترة خلافته، وهي المرحلة التي شهدت تصاعد الغضب ضد سياساته المالية والإدارية.
 
ولهذا، يقول محمد بن جعفر الإزكوي، وهو من أشهر علماء الإباضية في القرن الثالث الهجري، في كتابه "الجامع": "وقد برئ المسلمون من عثمان بن عفان قبل أن يحل دمه"، ويعلق الباحث الإباضي المعاصر سالم السيابي في كتابه "العُرى الوثيقة" على تلك النقطة بقوله إن "أول مَن سار في المسلمين بسيرة الجورة الظالمين، بنو أمية، وأولهم عثمان بن عفان".
 
وينتقد الإباضية علي بن أبي طالب أيضاً، ويخطئونه في حربه ضد الخارجين عليه في موقعة النهروان، عام 38هـ، والذين تركوا معسكره اعتراضاً على قبوله بالتحكيم مع معاوية وجيش الشام.
يقول الشيخ الإباضي التونسي قاسم بن سعيد بن قاسم الشماخي في كتابه "رسالة القول المتين في الرد على المخالفين": "ندين بتصويب أهل النهروان الذين رفضوا الحكومة على علي بن أبي طالب". ومن هنا نفهم ما ذكره أبو المنذر سلمة بن مسلم العوتبي، وهو من مشاهير العلماء الإباضية في القرن السادس الهجري، في كتابه "الضياء"، من أن "أهل البراءة عثمان وعلي، وابناه الحسن والحسين، وطلحة وجميع من رضي بحكومة الحكمين".
 
أيضاً، يُسقط الإباضية عدالة الصحابة الذين حاربوا عليّاً في موقعة صفين، وعلى رأسهم كل من معاوية وعمرو بن العاص، على أساس أنهما كانا "مصدر كل الفتن والمصائب التي حاقت بالمسلمين"، حسبما يذكر الباحث عمر بن الحاج با في كتابه "دراسة في الفكر الإباضي".
 
الزيدية... تفسيق للأمويين وأعوانهم
تُنسب فرقة الزيدية إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان من العلويين الذين ثاروا على الدولة الأموية في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، وقُتل في الكوفة عقب فشل ثورته عام 122هـ/ 740م.
 
نظرة الزيدية للصحابة توقفت بالأساس على مسألة موقفهم من علي بن أبي طالب، وعلى تفاعلهم الإيجابي أو السلبي مع قضية إمامته وخلافته للرسول.
 
بحسب وجهة النظر التقليدية، يتجه الزيديون إلى تعديل القسم الأكبر من الصحابة، ويرون أن الرسول دلّ على خلافة علي بن أبي طالب عن طريق الإشارة والتلميح وليس النص الواضح، ومن هنا ذهب عموم الزيدية إلى تخطئة أبي بكر وعمر وعثمان، لتقدمهم في الخلافة على علي، ولكن دون أن تصل تلك التخطئة إلى حد التكفير، بحسب ما يذكر أبو الحسن علي بن الحسين الزيدي في كتابه "المنتزع من المحيط بالإمامة".
 
وشذّت عن هذا التوجه الزيدي فرقة الجارودية التي تُنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي، إذ ذهب أتباعها إلى كفر أبي بكر وعمر، حسبما يذكر ابن النديم في كتابه "الفهرست".
 
أما بخصوص الصحابة الذين خرجوا على علي بعد توليه الخلافة، يتفق عموم الزيدية على الحكم عليهم بالفسق والجور والخروج من الدين. ويذكر الإمام يحيى بن الحسين القاسم الرسي المتوفى عام 298هـ/ 911م، مؤسس الدولة الهادوية التي حكمت أجزاء من اليمن لقرون والمعروف بالهادي إلى الحق، في مجموع كتبه ورسائله، أن "مَن حاربه فهو حرب لله ولرسوله"، ويستثنى من هذا الحكم الصحابة الذين تابوا قُبيل وفاتهم.
 
وأشار المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان (ت. 614هـ/ 1219م)، وكان أحد أهم الأئمة الزيدية في اليمن في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، في كتابه "المجموع المنصوري"، إلى أنه "قد ذكُرت توبة قومٍ فأخرجناهم عن حكمهم لأن الله تعالى يقبل توبة التائبين كالزبير، وطلحة، وعائشة، فإن توبتهم قد نقلت".
 
وعلى أساس هذه القواعد، تقارب الزيدية مع أهل السنّة في النظرة إلى القسم الأكبر من الصحابة، فأخذوا بأحاديثهم المروية عن الرسول، واعتقدوا باعتبارية كتب الحديث السنّية، وصححوا حكم الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين على علي، بينما أسقطوا عدالة الصحابة الذين استمروا على عصيانهم لعلي حتى وفاتهم، من أمثال معاوية وعمرو بن العاص، ووصفوا الدولة الأموية بأنها دولة ظالمة، وقادهم ذلك إلى القول بحرمة الصلاة خلف الإمام الفاسق ووجوب الخروج على ملوك الجور عند القدرة، بحسب ما يذكر عبد الله بن حمزة في كتابه.
 
الإمامية... رفض كامل لنظرية عدالة الصحابة
يرفض الشيعة الإمامية القول بالعدالة المطلقة للصحابة، وينزعون عنهم ثوب القداسة، ويعتقدون بأنهم أناس عاديون، يسري عليهم ما سرى على غيرهم ممن أتى بعدهم، ويستدلون على ذلك ببعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن وجود منافقين مندسّين بين صفوف صحابة الرسول، بالإضافة إلى أحاديث نبوية يذكر فيها النبي أن بعض أصحابه سوف يُبعدون عنه يوم القيامة، فلما يسأل أحدهم عن السبب، سوف يُقال له: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" في إشارة إلى تبدل وتغيّر سيرتهم، وهو حديث ورد في "مسند أحمد بن حنبل".
 
يمكن القول إن حجر الزاوية في تحديد موقف الشيعة الإمامية من الصحابة يتمثل في موقفهم من قضية خلافة علي بن أبي طالب للرسول، إذ يذهبون إلى تخطئة الخلفاء الثلاثة الذين تقدموا على علي، بالإضافة إلى تخطئتهم لجميع الصحابة الذين وافقوا على ذلك أو رحبوا به.
 
تتوسع المصادر الإمامية في انتقاد الصحابة بعد وفاة الرسول، إلى درجة أن الكشي في رجاله ينقل عن الإمام محمد الباقر قوله: "ارتدّ الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد".
 
ورغم أن المعنى الظاهر للرواية يشير إلى ردة جميع المسلمين بسبب ظلمهم لعلي ومنعهم لحقه في الولاية، إلا أن بعض علماء الشيعة المعاصرين عملوا على تأويل تلك الرواية بطريقة مختلفة، ومن ذلك ما يذكره السيد محمد رضا الكلبايكاني في كتابه "نتائج الأفكار" من "أن هذا الارتداد ليس هو الارتداد المصطلح الموجب للكفر والنجاسة والقتل، بل الارتداد هنا هو نكث عهد الولاية".
 
مع ذلك، يذهب الاعتقاد الإمامي المستقر إلى تفسيق وتكفير جميع مَن حاربوا علي بن أبي طالب بعد تقلده منصب الخلافة. فعلى سبيل المثال، يذكر الشيخ المفيد في كتابه "النصرة في حرب البصرة": "اجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين، ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملَّة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع".
 
هذا الحكم نتج عنه الاعتقاد بتفسيق معظم الصحابة، خصوصاً مَن اشتركوا في القتال ضد المعسكر العلوي في معارك الجمل وصفين والنهروان، وهو الأمر الذي نتج عنه تهميش دور الصحابة ككل في الفكر الإمامي، مقابل التأكيد على مركزية الأئمة الـ12 من أهل البيت، الذين أضحوا مصدراً رئيساً لجميع الأحكام الشرعية والعقائدية في المذهب.