حزب جبهة القوى الاشتراكية يعتبر ملفات الفساد المفتوحة في القضاء متاهات تقوم على خلفية الأعمال الانتقامية وتسوية الحسابات بين مكونات نفس النظام.
 
 فشلت استراتيجية قيادة المؤسسة العسكرية، بتوظيف ورقة محاربة الفساد عبر القضاء، في إقناع الحراك الشعبي بتسليم مأموريته للمؤسسة لاستكمال تفاصيل التغيير في النظام السياسي القائم، وما زالت الشكوك تلف الحملة الواسعة ضد عدد من رموز السلطة بتهم الفساد وتبديد المال العام.
 
واعتبر حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، في بيان له الأربعاء، أن “الملفات القضائية المفتوحة على الفساد، متاهات تقوم على خلفية الأعمال الانتقامية وتسوية الحسابات بين مكونات نفس النظام، ولن تخدع الشعب بعد الآن، لأنه في حالة عدم وجود عدالة مستقلة تزاول مهامها في إطار دولة القانون، فإن هذه الحملات القضائية لن تهم سوى الفاعلين فيها”.
 
ويعكس موقف الحزب حالة التوجس التي تلف النخب السياسية في البلاد وناشطي الحراك الشعبي بشأن توظيف القضاء في تصفية الحسابات بين أجنحة النظام، خاصة وأن الصراع بينها دخل مرحلة متقدمة، لاسيما بين قائد أركان الجيش والموالين لمدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال المتقاعد محمد مدين.
ويسود على نطاق واسع الاعتقاد بأن الأولوية في الظرف الراهن هي لتحقيق الانتقال السياسي والتغيير الشامل، من أجل بناء مؤسسات شرعية وقوية، وليس فتح ملفات الفساد بمؤسسات هي جزء من المنظومة الموروثة عن سلطة الرئيس المتنحي عبدالعزيز بوتفليقة، ولو أنهم يحبذون الإجراءات التحفظية على ممتلكات وحسابات المتهمين لحماية المقدرات الوطنية من النهب والتحويل إلى الخارج.
 
وكان العديد من المسؤولين ورجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة، قد مثلوا أمام قضاء العاصمة خلال الأيام الأخيرة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، كما سيمثل الخميس، المدير السابق للأمن الوطني الجنرال المتقاعد عبدالغني هامل، مجددا أمام قاضي التحقيق في قضية شحنة الكوكايين التي تفجرت الصيف الماضي.
 
وأشارت الاحتجاجات الشعبية التي نظمها متعاطفون مع رجل الأعمال المسجون يسعد ربراب، إلى تصفية حسابات سياسية وشخصية بين الفاعلين في السلطة الحالية، وبين نخب اقتصادية ومالية محسوبة على جهات مناوئة لهم، في تلميح إلى التوصيفات التي تدرج رجل الأعمال المذكور في خانة الجيوب الخفية للجنرال توفيق.
 
وحذر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي من العدالة الانتقامية أو الانتقائية. وأشار هؤلاء إلى رجال أعمال وسياسيين محسوبين على قائد أركان الجيش قايد صالح لم تتم الإشارة إليهم في الجدل المثار حول محاربة الفساد، على غرار النائب البرلماني بهاء الدين طليبة، والأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي، والأمين العام السابق عمار سعداني، المتداول في فضيحة تبديد أكثر من ثلاثة مليارات دولار من أموال الدعم الزراعي، خلال السنوات الماضية.
 
واستغرب متابعون للشأن السياسي في الجزائر من الوتيرة المتسارعة في فتح ملفات الفساد في ظل الهشاشة التي تعيشها مؤسسات الدولة، وعدم الاستقرار السياسي في البلاد، لافتين إلى أن الوضع، مع ذلك، يتطلب يقظة كبيرة للحيلولة دون تحويل وتهريب رؤوس الأموال المتراكمة لدى طبقة رجال الأعمال التي تشكلت خلال العقدين الأخيرين.
 
وشدد المحامي والناشط السياسي عبدالغني بادي، في تصريح صحافي على ضرورة تحديد الأولويات وفق ما تقتضيه المرحلة، وليس وفق الأمزجة والحسابات الضيقة، وأن محاربة الفساد لا يمكن أن تتحقق بمؤسسات وجهاز قضائي موروثين عن نظام بوتفليقة، ويعدان أحد أسباب ثورة الشارع الجزائري.
 
وكانت قيادة أركان الجيش قد استدركت الموقف المنتقد لها بالإيعاز للقضاء في فتح الملفات المذكورة، ببيان نأت فيه بنفسها عن شبهات وتهم التورط في الضغط على القضاء، وبالتأكيد على دعم الجهاز في مكافحة الظاهرة وتوفير الضمانات اللازمة له للقيام بعمله في أحسن الظروف، وهو الموقف الذي تبنته النيابة العامة بالعاصمة في بيان مماثل.
 
ودعا ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي الجنرال قايد صالح، إلى “عدم تغيير موضوع الحراك وإلهاء الشارع بفرقعات ملفات الفساد، لأن الشارع انتفض من أجل تحقيق التغيير، وأن السلطة التي يفرزها الحراك الشعبي هي من تضطلع بفتح ملفات الفساد ومحاربته وليس المؤسسة العسكرية من تقوم بذلك”.