الخبر الغريب هو ما نقلته الأخبار الأخيرة عن اعتزام المرجعية في النجف أن تغضب على الأميركان لأنهم يستخدمون العراق للعدوان على الدول الأخرى، وأن تصدر فتوى جهادية جديدة لإخراج القوات الأميركية الإرهابية المحتلة من جميع الأراضي العراقية.
 

لم تكن غريبة ولا عجيبة تلك الغضبة العارمة الأخيرة التي تفجّرت لدى حبايب إيران العراقيين الذين يضعون عمائمهم على رؤوسهم، أو الذين يخفونها في قلوبهم وعقولهم، حين ارتكبت سفارة الرئيس الأميركي الغاضب على إيران أمَّ الكبائر بكشفها الغطاء عن حجم ثروات المرشد الإيراني علي خامنئي، سواء منها الحلال أو الحرام.

وقد كان المتوقع، لو كانوا أصحاب بصر وبصيرة وحكمة، ولو كانت فيها بقية من احترام لمبادئ النزاهة والأمانة والاستقامة، أن يخاطبوا السفارة طالبين من أكبر المسؤولين فيها، بقوة وحماس وثبات، أن هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

فليس معقولا ولا مقبولا أن يخون رجل دين بسيط الأمانة، فكيف إذا خانها إمام الأئمة المقدس الرفيع؟

ولو ثبت، بالدليل، أن المرشد الأعلى حرامي، فعلا لا قولا، فكان سيُصبح المتوقعُ من قادة الأحزاب والمنظمات والتجمعات والتيارات والميليشيات العراقية، حتى وإن كانوا أكثر الناس ولاءً لدولة الإمام الغائب ووكيله علي خامنئي، أن ينفضوا أيديهم من يده، وأن ينقلبوا عليه، ويُسقطون ولاءه من حسابهم، كأي لص آخر تحقّ عليه اللعنة إلى يوم الدين.

والخبر العجيب الغريب الآخر هو ما نقلته لنا الأخبار الأخيرة عن اعتزام المرجعية في النجف أن تغضب على الأميركان لأنهم “يستخدمون العراق للعدوان على الدول الأخرى”، وأن تنزل إلى الميدان، وتصدر فتوى جهادية جديدة لإخراج القوات الأميركية “الإرهابية المحتلة” من جميع الأراضي العراقية، مثلما فعلت من قبل بفتواها الجهادية لتحرير العراق من الدواعش على أيدي المجاهدين في الحشد الشعبي، دون غيرهم من العراقيين.

فقد بشّرنا النائب عن تحالف “الفتح” لصاحبه هادي العامري، كريم عليوي، بأن “هناك نية لدى المرجعية، إذا وصلت قضية التواجد الأميركي إلى استخدام العراق للعدوان على “الدول الأخرى”، وتمادت، فسيكون للمرجعية قول بشأن الاحتلال الأميركي، خصوصاً أن صمام أمان الشعب العراقي وتخليص العراق وتنظيفه من احتلال الأميركان والدواعش، هي المرجعية”.

وبيّن، أنه “ليس مستبعدا صدورُ فتوى جهاد من المرجعية ضد الأميركان كما فعلت مع الدواعش، خصوصا أن داعش ‘وُجد’ من أميركا، فالمرجعية لها قول، ستعلن عنه في الوقت المحدد، لإخراج القوات الأميركية من كافة الأراضي العراقية”.

والحقيقة أن هذه مسألة، لو صح هذا الخبر، بحاجة إلى نظر. فليست المرجعية بعيدة عن الشبهات في ما يخص علاقتها بالغزو الأميركي للعراق، وما أشيع عن قبولها رشوة أميركية بمئتي مليون دولار مقابل عدم إزعاج الاحتلال، والتعاون مع الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وعدم البخل عليه بالاستشارات والنصائح والتوجيهات، خصوصا عند تشكيل مجلس الحكم سيء الصيت، وكتابة الدستور المرقع المسموم، وتزكية نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وموفق الربيعي وعبدالعزيز الحكيم وأحمد الجلبي، وشمولهم بالعطف الأميركي، وتسليمهم قيادة البلاد والعباد، ومن ثَم السكوت عن كل ما يقترفون من اختلاسات وخيانات وسفالات واغتيالات ومؤامرات، وإغماض العين عن تبعيتهم وعبوديتهم لدولة الولي الفقيه، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.

أما ما يتداوله الكثيرون من الشيعة العراقيين عن القناطير المقنطرة من أموال الخمس التي تستحوذ عليها المرجعية وتنفقها فيما لا أحد يعلم أين ومتى وكيف.

ولا يظننَّ أحدٌ بأن المرجعية غبيّة وساذجة ومتهورة مثلُ أبنائها هادي العامري ومقتدى الصدر وقيس الخزعلي ونوري المالكي وأبي مهدي المهندس، فتغامر بسمعتها وهيبتها وتعلن، مثلهم، تبعيتها لإيران، وتنخرط في حروبها مع عدوتها أميركا، ومع ضحاياها من العراقيين والعرب والعجم أجمعين، فتفتح على نفسها أبوابا تهبُّ منها رياح هي في غنىً عنها، ولا قبل لها بتداعياتها وأثمانها الباهظة.

فلا أحد من العراقيين العقلاء المخلصين لوطنهم وشعبهم، وغير المأسورين لسلاح الميليشيات العراقية ذات الولاء المطلق لإيران، يتمنى أن تَحمق المرجعية الدينية فتجعل نفسها واحدة من تلك الميليشيات المنبوذة المكروهة التي أضحى المواطن العراقي الشيعي، قبل السني، يخجل من وقاحة قادتها في إعلان عمالتهم الثابتة والنهائية لحكومة دولة خارجية لا تتفق مصالحُه مع مصالحها، ولا أمنه مع أمنها، ولا حاجته مع حاجاتها، خصوصا في مأزقها الخانق الذي أدخلتها فيه أميركا ودول العالم الأخرى نتيجة أفعالها وسوء سلوكها الذي لم يعد يحتمل.

والشيء بالشيء يذكر. فقد سُئل نوري المالكي عن رأيه في تدخلات المرجعية في شؤون الحكم والسياسة فقال: إن السيد السيستاني رجل دين ولا شغل له بالسياسة.

وغاب عن فهمه وعلمه أن المرجع الأعلى سياسي من رأسه إلى أخمص قدمه، والدلائل كثيرة.

ألم تكن رحلات موفق الربيعي اليومية المكوكية مرسولا رائحا غاديا بين السيد السيستاني وبول بريمر وقادة الجيش الأميركي المحتل، كمثل مكوك الحائك، سياسة؟

وحين أمر السيد السيستاني باختيار إبراهيم الجعفري وعبدالعزيز الحكيم ومحمد بحر العلوم وموفق الربيعي وأحمد الجلبي ونوري المالكي أعضاء ورؤساء في مجلس الحكم سيء الصيت، ألم تكن تلك سياسة؟

وحين أجبر السيد السيستاني سلطة الاحتلال الأميركي على التخلي عن فكرة الاستفتاء الشعبي العام لاختيار النظام السياسي المناسب للعراقيين، واستبدالها بمسرحية تسليم السيادة وتعيين إياد علاوي رئيسا للوزراء، بالمحاصصة، ألم تكن تلك سياسة؟

وحين أصر السيد السيستاني على سرعة كتابة الدستور، ثم تدخل في صياغة عدد من أحكامه، ألم تكن تلك سياسة؟

وحين أمر جميع القوى السياسية الدينية الشيعية التي تأتمر بأمره بأن تُنصّب نوري المالكي فرعونا في الدرة الأولى، ألم تكن سياسة؟

وحين أمرها، في الدورة الثانية، بإعادة تنصيبه حاكما مطلقا، رغم ثبوت فساده وفساد حزبه ومستشاريه وظُلمهم وانحرافهم وتقصيرهم عن خدمة المواطنين، ألم تكن تلك سياسة؟

أيتها المرجعية قلوبُنا معك، فلا تحمقي، ولا تسقطي في وحل حروب الولي الفقيه ووكلائه مع أميركا ولية النِعَم السابقة عليه وعليهم أجمعين، ولا تبخلي عليهم بالموعظة الحسنة بأن يتقوا الله في وطنهم العراق، وفي شعبه الحبيس، حتى وإن كانوا لا يسمعون منك، ولا يتعظون، ولا يفقهون.