اللبنانيون اليوم أمام تجربة في إثبات الذات والحضور باتجاه قضاياهم المحقة، وأمام تحدي التغيير وأمام رفض السياسات المتبعة في معالجة الوضع الاقتصادي
 

يحتفل عمال لبنان اليوم بعيدهم في الأول من أيار ونحن أمام أزمات حقيقية وكبيرة تطال العمال والموظفين في لقمة عيشهم من خلال السياسات المالية المتبعة.

الجميع يعلم أن الأزمة الإقتصادية باتت تنذر بالإنهيار التام، وهذه الأزمة لم تأت من المجهول بل هي تراكم للسياسات المالية المتبعة والتي كانت في سياق اجتهادات لبعض النافذين ورؤوس الأموال، بعيدا عن الاستراتيجيات والبرامج والخطط المحددة، وكانت أقرب إلى رغبات مافيات المصارف، فذهبت الحكومات المتعاقبة منذ اكثر من عشر سنوات إلى الاستدانة من خلال مؤتمرات الدعم باريس 1 وباريس 2 وسيدر وغيرها، فأُخذ البلد عن قصد أو غير قصد كرهينة إقتصادية تداخلت فيها الإقتصاد بالسياسة على وقع الأحداث والتطورات التي تعيشها المنطقة ويعتبر  لبنان جزء أساسيا فيها. 

الأزمة الإقتصادية تتطور اليوم أكثر فأكثر مع انعدام الرقابة وظواهر الفساد والهدر والسرقات، فذهب لبنان ومع كل ما تقدم نحو الإنهيار الحقيقي، وأن كل ما يشاع لم يعد تهويلا فاستشعر المسؤولون خطورة الأزمة لا سيما مع التحذيرات الدولية المستمرة.

إقرأ أيضًا: نصر الله وعقدة «الرايتينغ»

ومع تكرار الارتجال في المعالجة وبعيدا أيضا عن التخطيط خرج البعض إلى رمي الحلول في الشارع بعيدا عن أي لغة اقتصادية علمية هادفة، فجاءت الحلول المطروحة لتعمق الأزمة أكثر بين الدولة والمواطن اللبناني بكل فئاته، وتحدث المسؤولون عن قرارات غير شعبية تارة وعن قرارات قاسية تارة أخرى وجرى إعداد موازنة ما زالت قيد المناقشة ولم نعلم بعد كيف ستنتهي.

وعلى أي حال فمن الخطأ الفادح أن تتجه المعالجة إلى إطار التقشف على حساب المواطن وحده فيما لا تزال مزاريب الهدر مفتوحة في كل مؤسسات الدولة، وفيما لا تزال السرقات تحت القانون، وفيما لا يزال الهدر بغطاء القانون.

أمام هذا الواقع وضع الشارع اللبناني أمام خيار وحيد وهو التظاهر مع ما ينطوي ذلك بلغتنا اللبنانية على خيارات متعددة واعتبارات كثيرة نظرا لحساسياتنا الطائفية والحزبية، لكن اللبناني أيقن ربما أن الأزمة حقيقة والانهيار حقيقي فلم يعد ينفع الغطاء الطائفي ولا الغطاء الحزبي وقد آن الأوان لانتفاضة حقيقية ضد الواقع المزري الذي وصلنا إليه وضد الاستمرار في سياسات التجويع لهذا الشعب من خلال السياسات المالية الجديدة ومن خلال سلطة المصارف التي تمعن في سياسة إفلاس الناس على حساب جشعها وطمعها.

إقرأ أيضًا: من سرقة البلد إلى سرقة الرواتب

التظاهر اليوم قد لا يحل المشكلة غدا لكنه يجب أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها سلطة الشعب الذي يجب أن يكون على مستوى التحدي الذي يواجهه، وعلى مستوى المشكلة التي يعانيها البلد، ليقول كلمته بضرورة العمل على وضع استراتيجيات مالية وفق خطط وبرامج محددة في أساسياتها وقف الهدر والسرقة، ووقف الاعتداء على المال العام والرقابة والمحاسبة واسترجاع أموال الدولة المنهوبة، وأن لا يكون المواطن وحده هو ضحية الحلول المرتقبة.

التظاهر يصنع التغيير، نعم لكنه التظاهر الذي يحدد أهدافه ومنطلقاته الوطنية بالدرجة الأولى وبعيدا عن أي اعتبارات حزبية او طائفية وبعيدا عن أي مراعاة لأي سياسي هنا أو زعيم هناك.

اللبنانيون اليوم أمام تجربة في إثبات الذات والحضور باتجاه قضاياهم المحقة، وأمام تحدي التغيير وأمام رفض السياسات المتبعة في معالجة الوضع الاقتصادي، وعلى خطورته فلا يجب أن يكون على حساب المواطن اللبناني المعدم ولا على حساب الموظفين، ولا على حساب العسكريين والمتقاعدين.

نعم للبحث عن الحلول الجدية والحقيقية من خلال تطبيق القانون واعتماد مبدأ الرقابة والمحاسبة واستعادة أموال الدولة ووقف السرقات والتعدي على خزينة الدولة.